عمار الشيخ

احد مقابلات حزمة: قصص عن الانتماء,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: لارنكا, قبرص
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

أنا اسمي عمار خالد الشيخ، عمري 30 سنة، سوري الجنسية، غادرت دمشق التي كان الوضع فيها متردياً بسبب الحرب عام 2016، كان لدي أسباب كثيرة للهجرة، من أبرزها عدم الالتحاق بالجيش. فجئت إلى قبرص وكان عمري 26 سنة.

درست الثانوية في سوريا بتخصص تقنيات حاسوب، وبعدها عملت بمجال الطعام، فكان لدي مطعم مع شريك لي، وحدث أن قتل شريكي، فهربت وجئت إلى قبرص، لأني كنت أشعر أنه سيكون لي فرصة أفضل للعيش فيها.

كان الأمر في البداية صعباً للتأقلم في وضع جديد، خصوصاً أني لا أتحدث لغة البلد، كان الأمر صعباً علي، فشعرت أني سوف أدخل في حالة اكتئاب، لكني بقيت متماسكاً، وقليلاً من الإيمان بقوة رب العالمين أعطتني قوة وقدرة على التفكير السليم. حاولت أن قدم على الزواج كي أبني عائلة ويكون هناك تغيير في حياتي ولو بسيط، المهم أن أغير شيئاً. فحاولت استقدام فتاة من سوريا، فلم أستطيع، وحدثت مشاكل كثيرة بالنسبة لأمر دخولها إلى هذه البلد، وخسرتُ الكثير من الأموال من أجل ذلك، لكني افترضت أن ما حدث هو خير لي، وجاءني ما يشبه الإلهام بأن كل ما كنت أفكر به هو خطأ، وأن عليّ أن أغير تفكيري وقناعاتي ليس بالزواج بل بكل شيء، وأن عليّ الخروج من الإطار الذي وضعني به مجتمع أهلي و رفاقي، وربما الذين علموني، فأنا تعلمت من محيطي الاجتماعي في سوريا، وكنت محبوباً فيه والحمد لله، وبالتالي كنت أريد أن أعيش ذات اللحظات هنا، نفس الحياة الاجتماعية التي كنت اعيشها في سوريا.

في البداية استصعبت الأمر كثيراً، واعتقدت أني لن أقدر على التغيير، فالناس هنا ليسوا ناسي، بالتالي لن أستطيع التكلم معهم كما أتكلم مع أبناء لغتي العربية، وبسبب ذلك توجهت لمحلات عربية وعملت معهم لمدة عامين أو أكثر قليلاً، وبعد هذه الفترة كان من الضروري التغيير، غيرت تفكيري وقلبت الموازين وبالتالي قررت تغير واقعي الذي أعيش فيه من أجل أن أتغير. أول ما يجب تغييره هو الإطار الذي حصرني فيه مجتمعي السابق، فغيرته بأن غيرت الأفكار التي يمكن أن أفهم من خلالها المجتمع الجديد. ذهبت للعمل في فرن، واستطعت العمل مع القبارصة، وتعرفت على فتاة جميلة، أنا وهي الآن متزوجان وهي حامل، وبدأت أتعمق في علاقاتي معها ومع أهلها وكان الأمر صعباً للغاية في البداية. بصراحة كل الناس لديهم تحديات، وجميعهم يحاولون أن يتخطوا هذه التحديات والعقبات، أما بالنسبة لي فقد كان من أكبر التحديات هو التعرف على أهل زوجتي، لأنهم رفضوني رفضاً تاماً من دون أن يروني حتى. فعندما تعرفت على زوجتي وأحببتها وأحبتني، أخبرت أهلها فرفضوني، وأصبحت والدتها تزعجنا بالكلام، وتزعج ابنتها وتقول لها: لا، لا يجوز أن تتزوجي شخصاً مسلماً. وذلك كان بالنسبة لي كان أمراً مزعجاً، وصرت أشعر أن جمع الناس ضدي، وكنت أتسأل: لماذا يحدث ذلك، وأنا أحب جميع الناس، بغض النظر عن دينه أياً كان. أنا أعيش في هذا المجتمع، ولم أكن أفكر نهائياً أن هذا المجتمع مسيحي أو مسلم. إذا كنت أنا أذهب إلى الجامع وزوجتي تذهب إلى الكنيسة، فأين المشكلة؟

انتقلت زوجتي لتعيش معي وتركت بيت أهلها، وأمها انزعجت لذلك، فهي لا تريدها أن تترك البيت. ولما حاولت للمرة الأولى التعرف عليهم، لم يعيروني أي اهتمام، ولم يقتربوا مني أو يتحدثوا معي. حاولت مرة ثانية وثالثة حتى أني أحضرت لهم هدايا في أحد الزيارات، وكانت تلك الهدايا مميزة بالنسبة لهم، وكنت أحاول أن أريهم أني أحب أن نكون عائلة مع بعضنا، وليس هناك من داعٍ للمشاكل. وكانت العقبة الكبيرة أمامهم هي ديني، أي لأني مسلم.

وفي أحد المرات دعوتهم إلى مطعم، وكنا نجلس معاً بحضور والد ووالدة زوجتي، وكنا نتحدث بمواضيع كثيرة، من بينها كان الدين. وحين وصلنا إلى هذا الموضوع أشارت والدة زوجتي أنها رفضتني بالبداية لأن ديني مسلم وأنهم لا يحبون الأتراك، وأضافت: أنا أعرف أن المسلمين كلهم أتراك. حاولت أن أغيّر وجهة نظرها حول المسلمين، وأقول لها نحن سواء كنا مسلمين أم مسيحيين أو يهود، نحن من نفس النوع، نحن بشر، أنا لم أطلب منك أن تعامليني بديني. ديني لي، يستحيل أن أعطيك شيئاً من ديني أو تعطيني شيئاً من دينك، دينك في قلبك، محبتك لله بقلبك، فكان الموضوع بالنسبة لحماتي صعباً للغاية، وبقي ذلك في قلبها، لم تستطع أن تنساه حتى جلسنا مرة أخرى لنتحدث في ذات الموضوع، فقالت لي: أنا أعطيتك ابنتي، وأنا سلمتك قطعة مني، وأنت مسلم. كان الموضوع بالنسبة لها أمراً مخيفاً، كانت خائفة مني، وأنا حاولت أن أهدئ من روعها، وحاولت أن أريها أننا جميعاً بالنهاية بشر، لا داعي لأن تكون هكذا، فقالت لي: أنت تعلم ماذا فعل بنا الأتراك.

قلت لها: أجل أعرف.

قالت لي: حتى لو جرحتك…

قلت: لا، بالمناسبة أنا أريدك أن تحكي كل شيء في قلبك، كي نكون عائلة واحدة بعد هذا النقاش، ونكون في محبة.

وافقت على الكلام، وتحدثت كثيراً، ثم بكت في المطعم حيث كنا، وراحت تقول لي أنها لم تكن تريدني بسبب ديني، وأنا حاولت أن أشرح لها وجهة نظري بكل هدوء. وبعد أن تركتها تحكي ما يقارب النصف ساعة، طلبت منها الإذن بالكلام، وقلت لها: سواء كنت أنا أو أي شخص آخر، الفارق بيننا هو التعامل، بالتالي أنا إذا عاملتك بشكل جيد، سأكون شخصاً جيداً. وإذا عاملتك بشكل سيء سأكون شخصاً سيئاً. فأنا وزوجتي ننوي أن نبني عائلة، ليس من المعقول أن أكون سيئاً وأنا الذي يريد أن يبني عائلة، فهل يجب أن أذهب مع زوجتي وأقول لها لا نريد أهلك؟ وهي معي بكل ما أفعل، لأنها أصبحت زوجتي. فقالت لي: حسناً.. فأضفتُ: لا أريد أن نكون كذلك، أريد أن نكون عائلة واحدة، أريد أن أشعر أن لي عائلة هنا، من الصعب للغاية أن يشعر المرء أنه وحيداً، ومن الصعب أيضاً أن يشعر أنه ليس لديه عائلة أو ليس لديه مكان يلجأ له، أو ليس لديه أحد يكبره يرجع له.

بعد ما تحدثنا، وبعدما فهمت مني أننا جميعنا يجب أن نتعامل من مبدأ إنساني وألا نتشاجر ونحب بعضنا، قالت لي والدة زوجتي: أنت شخص مميز جداً، والحمد لله الذي أرسل لي زوج لابنتي يكون مثلك. شكرتها كثيراً، وقلت لها أريد أن أخبرك بشيء: أتمنى أن يكون هذا البلد وهذه المنطقة، منطقتنا وبلدنا، لا أريد أن أشعر أنني غريب بينكم، أريد أن أشعر أنني مثلكم.

أعجبت والدة زوجتي بالكلام فعلاً، وأصبحت تدعونا دائماً إلى منزلهم وأصبحت علاقتنا قوية جداً، وإلى حد الآن كل أسبوع نذهب معاً، لقد أحسست أن لي عائلة، تغيرت كل حياتي عندما شعرت أن لدي عائلة، وشعرت أنني من هذا المجتمع وشعرت أن هناك محبة.

فالانتماء بالنسبة لي هو أهم شيء، لأنني لم أستطع أن أعمل أو أعطي حتى انتميت إلى هذا المجتمع، وأصبحت أحب الحياة أكثر، صرت أريد أن أنتج أكثر لهذا المجتمع، وبت أنوي أن أفيده وأكون سعيداً معهم، أريد أن يكون هناك محبة غامرة للكل.

هذه كانت قصتي أنا عمار الشيخ من قبرص.