تخبرنا آنا هانا إبراهيم (39 سنة) المقيمة في هولندا، في أمستردام، والتي تعمل مديرة المشاريع في منظمة شركاء نحو الخير، عن المجتمع السوري المتعدد قبل الحرب، فيما يخص التعايش السلمي، قائلة:
قبل الحرب، أعتقد أنه كان هناك تعايش سلمي، كنا نعيشه معاً، وهنالك محبة بين الأديان والأطياف الأخرى في سوريا، لأنها بلد متعدد. لقد كنت أرى هذا التعايش مبنياً بشكل كامل على الاحتكاك الكامل بالمجتمع، كان نوعاً من التآخي، بالمقابل كنت أرى أن القانون يقيّد إلى حد ما هذا التعايش، وكنت أرى اللون السوري فعلياً لوناً جميلاً، فيما أصبحت الأمور تعاني من بعض الغباش، ولم تكن واضحة بالنسبة لنا لأننا أسساً كنا نعيش في سجن كبير، لم نكن واضحين أو منفتحين كفاية على بعضنا البعض، ربما كنت منفتحاً على جارك، على الناس من حولك، وبالتالي أنا أرى أننا كنا نعيش ضمن قواقع صغيرة، مجتمعات صغيرة ضمن مجتمع كبير، لا نعرف بعضنا البعض بشكل كاف. الحرب أثبت بالفعل أن ذلك التعايش كان مبنياً على الخوف والقلق، ولكن إذا أردت العودة قليلاً إلى الوراء لمعرفة لماذا كان مبنياً على الخوف والقلق؟ لأنه قبل أن يأتي حزب البعث إلى السلطة، كانت سوريا دولة علمانية إلى حد ما، كانت دولة ليبرالية، أظن أن قوقعتك تعكس كم أنت متعايش سلمياً، مع كل الألوان السورية، ولكن يوجد لديك دائماً قلق، وهذا الشيء شكله نظام حزب البعث.
فيما تعتقد آنا بأن تعريف السلام مبني أولاً على الدولة، وتضيف:
عندما يكون هناك قانون حماية واضح، بنوده واضحة، وتحمي المواطن، تحمي الألوان والأطياف الأخرى ولا تميز بين شخص وآخر، وهنا يبدأ السلام. وعندما أرى أنا كمواطن أن هناك قانون يحميني، هناك دولة تحمي حقوقي، وعندما أبدأ بالقانون، فأنا أصنع السلام، والقانون السوري فيه الكثير من الثغرات يجب التخلص منها لأنها فعلياً تخلق صراعاً كبيراً، وحتى ننتهي من هذا الصراع سيكون القانون خطوة لبداية السلام في سوريا.
وبخصوص رؤية آنا لبناء السلام لسوريا، فهي ترى أن أول خطوة يجب اتخاذها بعد عشرة سنوات من الحرب هي فتح طاولة حوار، وتؤكد:
يجب وضع بنود واضحة نحو: إلى أين نتجه؟ أين سوف نذهب نحن كسوريين؟ ماذا نريد؟ عندما نحدد البنود الأساسية الخاصة بالمواطنة التي نريد، هنا يبدأ بناء خطوات السلام، عندما نبدأ بالقول إن السيادة والسلطة لا تتعلق بشخص إنما تتعلق ببلد كامل، نحن نفتقد لهذا الشيء لأنه يوجد لدينا خوف من بعضنا البعض، يجب إزالة هذه المخاوف الموجودة والمزروعة داخل المجتمع السوري، سواء بين الطوائف أو الاختلاف بالرأي أو بالانتماء.
أمّا عن دور المرأة السورية قبل الحرب، فقد كانت "محيدة" حسب ما تصفها آنا، وتشير قائلة:
المرأة السورية لم يكن لها أصلاً دور كبير في المجتمع، كانت مهمشة قانونياً واجتماعياً، لأن المجتمع السوري كان يتغذى على أنه مجتمع ذكوري، أبوي، حتى في القانون، هناك بعض القوانين لا تحمي المرأة السورية، وبالتالي هي لم يكن لها دور وفاعلية، وأعتقد أن المرأة السورية نتيجة هذا الكلام، مرت بصعوبات كبيرة خلال العشر سنوات التي كان سوريا تمر بها في الحرب، لم يكن لديها دور، رغم أني على قناعة تامة بأن الدور الأساسي في أي مجتمع، ولكي أبني جيل جيد، قابل للحوار والتعايش، هو يبدأ بالمرأة، لأن المرأة هي العطاء وهي المربي أساساً لهذا المجتمع.
وأخيراً، ترى آنا هانا إبراهيم، أن دور المرأة السورية اليوم هو التنمية المجتمعية، وهذا يبدأ من المرأة السورية، أي أنها هي من سوف يبني هذه الأجيال، ويمكنها أن تبنيها على التسامح وتقبل الآخر، وتضيف:
هناك نسبة كبيرة من النساء حققن هذا الهدف، نتيجة الوضع السيء الذي مررن به ونتيجة التجارب الصعبة التي مررن بها أيضاً، سواء نتيجة الحرب أو سواء نتيجة الهجرة، تلك التي فقدت والدها أو أخاها أو زوجها الذي كان معيلاً لها، فاكتشفت المرأة السورية أن لا معيل لها سوى نفسها وأنها قادرة على التأثير بشكل أكبر، فالمرأة السورية هي بداية التنمية المجتمعية حقيقة وانطلاقة لها وتغذية للسلام.