أنا آية، سورية الجنسية، عمري 30 سنة، من دمشق، درست إدارة الأعمال، لكن عملي كان في مجال الإعلام. حالياً أنا أعيش في مدينة إسطنبول بتركيا منذ حوالي أربع سنوات ونصف.
عام 2015، جئت في زيارة إلى تركيا فأحببت هذا البلد، أحببت المكان. تركيا هي بلد غني بتنوعه، وفيها ثقافات متعددة. وأكثر ما أحببت فيها هو "سحرها" الذي يجمع بين الشرق والغرب معاً، حيث تتعايش العادات والتقاليد الشرقية مع الغربية. وأنا أحببت هذه الحالة، شعرتُ أن فيها شيء مني بالذات، أنا آية… ولذلك تولدت لدي رغبة أن أنتقل إلى هذا البلد وأستقر فيه، علّي أجد فرصة أفضل بمجال الإعلام، لأني لم أكن أشعر أنني كنت أعمل بشكل صحيح على ترقية مهاراتي أثناء عملي الإعلامي في دمشق، هناك كنت أشعر أن أفكاري يتم اجتزاؤها، ولا أستطيع تقديم الفكرة كما أريدها، أو الفكرة التي تمثلني، أو دعنا نقول التي تمثل الناس! لأن هناك دائماً من يحدّ من أهدافك فلا تظهر بالشكل الذي تحبه وتحب أن تقدمه للناس، بالتالي تشعر أنك آلة فقط تتحرك، لا أكثر ولا أقل. لذلك أخذت القرار بعد صراع ومشاكل مع أهلي بهذا الخصوص، لأنني من بيئة محافظة ولا يحبّذ فيها أن تخرج البنت وتتغرب لتعيش وحدها، واقتضى الأمر نقاشات عديدة كي أستطيع الحصول على موافقتهم رغم عدم رضاهم، فخرجت إلى تركيا عام 2015.
في البداية بدا لي الأمر كبيراً جداً، فالشغف والتحدي كانا كبيرين، وكان هذا ما أردته، ولكني لم أكن أدرك كامرأة مدى المسؤولية الكبيرة التي حمّلتها لنفسي في غربتي هذه، كنت بنت مرتاحة في بيت أهلها ومؤمن لها كل مستلزمات الحياة، حتى الرفاهية، فجأة وجدت هذه البنت أن عليها الاعتماد على نفسها، وأن تتكفل بكل أمورها وحدها، وليس ثمة من أحد إلى جانبها، وشيئاً فشيئاً تبدأ بالشعور بثقل ذلك. عانيت كثيراً، حاولت أن أعرف البلد أكثر، أن أحفظ طرقاتها، ولم أحتج لإتمام ذلك سوى لبعض الوقت، على عكس الكثير من البلدان الأخرى. فقد كان السوري مرحّب به، كانوا متعاطفين معنا نحن كسوريين ومع أوضاعنا الصعبة، فأحببت البلد، أحببت أهلها، ولكن لم أحب طبخها كثيراً، لأنه ثقيل جداً ودسم!
خلال وجودي هنا، حدث الانقلاب العسكري في تركيا (صيف العام 2016) وأثناء هذه الفترة أنا كنت هنا، نزلت إلى الشارع مع الناس، وقفت بينهم، أحسست بشعور غريب وجميل، أحببت أن يكون كل الشعب كتلة واحدة، ويصرخون بصوت عالي، هذا الشيء أطلق طاقة غريبة في داخلي، على الرغم من وجود اختلافات كبيرة بينهم، حتى ثقافاتهم بين مكان وآخر، طريقة تفكيرهم، لهجتهم، أفكارهم، عاداتهم تقاليدهم، انتماءاتهم لتيارات متعددة، ومع ذلك شعروا أن بلدهم سوف يصل إلى خراب أو دمار أو دم، خرجوا كتلة واحدة، وصوت واحد، تحمّلوا خسائر، هذا الشيء ترك شعوراً جميلاً لدي، وتمنيت لو أننا لم نصل إلى هنا، وكنّا هكذا موقف واحد ورأي واحد. هذه من اللحظات التي كانت جميلة أثناء وجودي هنا، كنت أشعر أنني من قلب الشعب، ومع الشعب.
أثناء وجودي هنا عملت في الكثير من الأماكن، أغلبها في مجال الإعلام، وفي هذه الأماكن كثيراً ما كانوا يستغلون الشخص بشأن إقامة العمل. مثلاً أنا لو كان لدي إقامة عمل منذ خمسة سنوات كنت حصلت على الجنسية الآن، ولكني لم أستطع الحصول عليها. طبعاً تكون بحاجة أن تعمل، وعندما لا تجد تجاوب في موضوع إقامة العمل التي وعدت بها في البداية، تكون مجبراً لأن تستمر حتى تجد عمل آخر أفضل، ويكون في مجالك وبالتالي تحصل على إقامة عمل، لكن لم يحدث ذلك، وأتوقع لو أن هذا الشيء حصل، لكنت شعرتُ أكثر بالحميمية، شعرت بالانتماء أكثر لهذا البلد، وكانت حالة الانتماء تخلق بداخلي أكثر حين أحصل على الجنسية، ثم أقوّي نفسي باللغة أكثر، وثمة أشياء أخرى سوف تكون أسهل، لأنك أصبحت مواطناً. ولكن الجهات التي عملت معها لم تحقق ذلك.
هذه القصة أزعجتني، وأشعر أنه بعد أربع أو خمس سنوات هنا، لم أستطيع الحصول على الجنسية، وأسأل نفسي: "هل ذهبت هذه الفترة هكذا.."، أعود وأقول لنفسي، لا لقد اكتسبت تجربة وخبرة بالحياة، جرّبت أمور جديدة، ولكن لا نستطيع عادة إلا التفكير بالأشياء التي تسبب لنا استقرار أكثر، وهذا ما لم أحصل عليه حتى الآن.
رغم ذلك لا يزال لدي رغبة بأن أكمل دون توقف، من الممكن أن أحصل على الجنسية، لا يوجد شيء مستحيل. بالمقابل أنا أسعى لأجد فرصة جيدة في مجال الإعلام وبالتقديم التلفزيوني حصراً. وجدت فرص عمل كثيرة بشأن ذلك، ولكن مع جهات لا تتمشى معي بشأن الوضع السياسي في سوريا حيث لا أحبذ الظهور على تلك الشاشة، أفضل الظهور في برنامج بعيداً عن السياسية لأبتعد عن هذا الأمر نهائياً، مع أنه لا يشبهني أنا كمقدمة برامج كما أرى نفسي، وبالتالي لم أستطع الوصول إلى الفرصة التي أريدها حتى الآن، وعسى أن تكون الأيام المقبلة تحملها لي.
أنا جئت إلى اسطنبول في عمر 25 سنة، كنت بالغة في هذا العمر وذكرياتي موجودة معي، وحتى اللحظة تأتيني بين فترة وأخرى أشياء من الماضي، وهذا الإحساس لدي وربما عند الآخرين كذلك، لأننا كبشر نشعر بالحنين إلى ماضينا، وهذا الشيء برأيي أساسي بموضوع شعورك بالانتماء للمكان الذي تعيش فيه، إضافة إلى اللغة وشعورك بالاستقرار، وأنا إلى الآن لم أستطع الشعور بالاستقرار في المكان الذي أعيش به، هناك عوامل أساسية يجب أن تتحقق من أجل أن تشعر بالانتماء إلى المكان الذي أنت موجود فيه.
أنا أحببت أن أشارككم قصتي ببضع دقائق، وبالتأكيد لو أردت الدخول في التفاصيل فلن ننتهي، فهناك أشياء كثيرة يمكن أن تحكى…