أحلام نزال

احد مقابلات حزمة: سِيَر سورية,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: تركيا
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

الحياة والمجتمع والعمل في مدينة السلميّة بريف حماة

ولدت أحلام نزال عام 1968 في مدينة السلميّة بريف حماة، في بيئة فقيرة شملت أغلب أهالي المنطقة، تقول أحلام: "كان أغلب أهالي السلمية يعملون في الزراعة، ومع مرور السنوات تطورت وتنوعت المهن والأعمال ما بين الوظائف الحكومية والخدمات والأعمال التجارية، حيث توجه معظم الموظفين للعمل بالدوائر الحكومية في حماة وحمص ودمشق ومدينة الطبقة في محافظة الرقة".

لطالما ساد انطباع بأن كل سكان السلمية يتبعون المذهب الإسماعيلي، ولكن الحقيقة أنه ثمة تنوع بين الغالبية الإسماعيلية والمكونات الأخرى كالعلويين والسنّة وغيرهم. يوجد في سلمية حيّ يدعى حارة القدامسة نسبة الى القادمين من مدينة القدموس في محافظة طرطوس، كما يوجد حيّ آخر للحمويين الذين جاء معظمهم بعد أحداث حماة عام 1982، حيث أُعجب قسم منهم بجو السلمية ومجتمعه المنفتح والمضياف فاستقروا في المنطقة، وساهموا في تنشيط الحركة الاقتصادية من خلال افتتاح المحلات التجارية والعمل في المهن التي يتقنونها، ورغم الأجواء الطيبة التي سادت بين جميع المكونات في السلمية، بقي موضوع الزواج من خارج الطائفة الاسماعيلية أمراً غير مقبول وخصوصاً للفتيات الاسماعيليات، ولكن هذا الأمر تغيّر مع مرور الوقت، وصار هناك انفتاح أكبر تجاه الآخر.

رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي عانى منها معظم الأهالي، كان ثمة اهتمام كبير في مجال التعليم والتحصيل العلمي، وخصوصاً تعليم الفتيات، تقول أحلام: "كان من المعيب ألا يحتوي البيت على مكتبة- حتى لو كانت تضم بعض الكتب من باب الديكور- ومن المعيب أيضاً ألا نكون قارئين لمجموعة من الكتب والروايات العالمية، وكتابات محمد الماغوط وجبران خليل جبران وغيرهم. كان العلم والثقافة يشكلان أولوية لدى الأهالي، ورغم حالتنا المادية المتواضعة، كان والدي يأخذنا الى المكتبة مع بداية العام الدراسي ليشتري لنا أفضل الدفاتر والأقلام واللوازم المدرسية، وحتى أمي ورغم كونها شبه أميّة، كانت تراجع لنا الواجبات المدرسية بذكائها وفطرتها دون أن تظهر لنا أنها لا تجيد القراءة".

بدأت أحلام العمل خلال فترات العطل الصيفية التي تتخلل مرحلة الدراسة الثانوية، كانت نسبة كبيرة من شبان وصبايا السلمية يعملون في الصيف لتأمين مستلزمات الدراسة ومساعدة الأهل والإخوة الأصغر سناً، تقول أحلام: "في البداية لم يكن ثمة تقبل من المجتمع المحيط أن أعملَ في معمل البصل، ولكن مع مرور الوقت وازدياد عدد العاملات في المصنع، تغيرت النظرة السلبية وصار عملي يشكلّ مصدر فخر لي".

تذكرُ أحلام أن المرأة في السلمية لم تكن تتعرض لأي اضطهاد أو تمييز، ولطالما أخذت دورها الطبيعي مناصفة مع الرجال، صحيح أنه لم تكن كل النساء عاملات في السابق، ولكن كان لهنّ دور كبير في اتخاذ القرار وإدارة وتدبير أمور العائلة، وأصبحت غالبية النساء عاملات بعد فترة الثمانينيات نتيجة انتشار التعليم في صفوفهن، حيث شهدت تلك المرحلة تحسنًا في المستوى الاقتصادي لأهالي المنطقة عموماً.

بعد إتمام المرحلة الثانوية، توجهت أحلام الى مدينة حمص لدراسة الأدب العربي في جامعة البعث، ولكنها اضطرت للتوقف بعد فترة بسبب مرض والدتها الذي استدعى منها الوقوف الى جانبها ورعايتها، تقول في ذلك: "بعد مرور ثمان سنوات على ترك الدراسة، انطلقتُ من جديد بعزيمة ونشاط مختلف تماماً، فطوّرتُ نفسي في مجال اللغة العربية باجتهاد شخصي، وبدأت بإعطاء الدروس الخاصة للطلاب، وعملتُ في التعليم بنظام الوكالة في ريف الرقة وريف السلمية متنقلة بين عدد كبير من القرى، ما أكسبني خبرة شخصية ومعرفة بالعادات والفوارق بين أهالي الريف بين منطقة وأخرى".

تطوعت أحلام في جمعية أهلية تعنى في مجال البيئة والأنشطة الثقافية، وشكل انتسابها الى الجمعية نقطة فاصلة في حياتها، من خلال العمل المدني والنشاطات المتنوعة التي شاركت فيها طوال تلك الفترة، تقول: "ساهمتُ برفقة مجموعة من الشبان والصبايا في تأسيس نادٍ للأطفال، كما شاركت في أنشطة المسير الرياضي للجمعية، ثم في مسير فرانس الذي كان يضم ناشطين من بلدان عربية وأجنبية عدة، يجوبون المناطق السورية للتعرف على ثقافتها وتاريخها وسكانها، ما منحني فرصة للاحتكاك بمجتمعات أخرى وجرأة وثقة عالية في النفس، ومن الأشياء المميزة التي أعتزّ بإنجازها خلال عملي في الجمعية، تأسيس نادٍ سينمائي للأطفال بعد أن كان النادي مخصصاً للكبار فقط".

بعد الخبرة القوية التي اكتسبتها أحلام في التعامل مع الأطفال، افتتحت معهداً يقدم خدمات تعليمية للأطفال، إضافة لأنشطة اجتماعية تُعقد في فترة العطلة الصيفية، تقول أحلام: "كثير من الأصدقاء وقفوا الى جانبي وشجعوني وعملوا بالتدريس بشكل تطوعي في بداية المشروع، ورغم أنني افتتحتُ المركز في عام 2011 الذي شهد بداية الأحداث في سوريا، فقد نجح المشروع بشكل لافت، وجذب أعداداً كبيرة من أطفال المنطقة والمناطق المحيطة بها". وتتابع القول: "لم يشكل العائد المادي المتواضع أهمية بالنسبة لي، لقناعتي بأني أعمل في سبيل تأمين مصاريف العيش فحسب، ولإعطاء الأطفال ما يحتاجونه وخصوصاً في ظل الضغط النفسي الذي كانوا يتعرضون له نتيجة حالة الخوف والترقب السائدة في ظل الأحداث الجارية في عموم البلاد".