توفيت والدة أحمد مز وهو في الثالثة من عمره إثر اصابتها بسرطان العظام، تاركة خلفها أحمد وشقيقان يكبرانه.
عاش أحمد بعد وفاة والدته في بيت عمته في منطقة المشروع الأول بمدينة اللاذقية، كان لديها خمس بنات وثلاثة صبيان لم تفرق بينهم وبينه بالمعاملة أبداً، ورغم إخفاء حقيقة وفاة والدته عنه، كان أحمد يشعر بوجود خلل ما في حياته، خصوصاً أن والده لم يكن يزوره أو يطمئن عليه، وعند سؤاله لعمته عن سبب ذلك، كانت تتذرع بأنه مشغول في العمل.
كان والده يعمل في شركة الكهرباء، ومرّ بمرحلة مرض نُسب فيما بعد إلى أعمال السحر والمس الشيطاني، فقصد شيخاً يقيم في إدلب بهدف العلاج، وعاد بعدها إلى عمله وحالته الطبيعية.
عاد أحمد وأخواه الى منزل أبيهم بعد زواجه، ولكنه ظل يقضي العطل والمناسبات في منزل عمته، الى أن خفت زياراته لها تدريجياً ثم وصلت حد الانقطاع.
عانى أحمد من معاملة زوجة أبيه السيئة والتي وصلت حد الضرب في بعض الأحيان لأنها لم تكن قد رزقت بالذكور بعد، ما شكل لها عقدة تجاهه ودفعها لمعاملته بقسوة.
أصيب والد أحمد بنفس مرضه القديم وأثّر ذلك على صحته وتوازنه النفسي، ما اضطره لترك عمله وتولي زوجته تأمين المصروف من خلال بيع الطبخ المنزلي.
يقول أحمد، "كثير من النساء كنّ يعملن في البيوت بأعمال الشك والصوف والطبخ، في حين كان عمل المرأة خارج المنزل أمراً مرفوضاً في مجتمعنا".
يصف أحمد فترة انتقاله لمنزل والده بالعصيبة، حيث كان عليه أن يتأقلم مع كل شيء دفعة واحدة وكأنه ولد من جديد، إضافة لسوء معاملة زوجة أبيه والتمييز بينه وبين أطفالها، فاعتمد على النوم والانطواء على ذاته وتقاسم همومه مع بعض أصدقائه المقربين للهروب من واقعه.
بدأ أحمد بممارسة الأعمال اليدوية بعمر الخامسة عشرة، كان تعلم ذلك من ابنة عمته وخلال بعض الأنشطة المدرسية مثل الرسم على الزجاج والقماش وغيرها.
وبعد حصوله على الشهادة الثانوية، تحولت شخصيته من الانطوائية الى التمرد وانطلق باحثاً عن ذاته، فتعلم العزف على البيانو والخط العربي والرسم والأعمال اليدوية في معاهد تخصصية، وشارك في معارض فنية وأعمال مسرحية، كانت تلك محاولات لتهدئة الصخب الذي بداخله وترتيب فوضى نفسيته.
يقول أحمد، "منحتني الموسيقا الهدوء، ومنحني التمثيل فرصة لأعبر عن كل حالاتي النفسية دون قيود".
واجه أحمد مشكلة في ممارسة الأعمال اليدوية بسبب ارتفاع تكاليفها وصعوبة بيعها إضافة لكونها تشكل حالة من الفوضى في المنزل، لكنه أصرّ أن يتابع في هذه المجال واستطاع تقوية نفسه مهنياً ومادياً حتى امتلك مشغله الخاص داخل المنزل بالرغم من أن عائلته لم تؤمن بمواهبه وقدراته.
توجه أحمد لاحقاً لأداء فترة الخدمة العسكرية الالزامية، يقول في ذلك، "في الجيش، شعرت بالغربة وكسر النفس الذي تعمد الضباط ممارسته تجاهنا، فعملتُ بنصيحة أحد الزملاء الذي قال لي، كن مع القطيع ولا تظهر ذكاءك ولا غباءك، لا تظهر مهاراتك، كن شخصاً عاديا فحسب حتى تنهي فترة الخدمة".
تعرف أحمد خلال تلك الفترة على فئات جديدة من المجتمع السوري، واكتسب خبرة في الحياة وتوسعت آفاقه ليبدأ بعدها بالمواجهة الحقيقية للحياة كما يقول.
وبعد إنهاء الخدمة العسكرية عام 2008 سافر أحمد الى الأردن وعمل في مطعم لبضع شهور ثم عاد الى سوريا خالي الوفاض من الناحية المادية ومستفيداً من الخبرة التي اكتسبها من ناحية أخرى.
بعد تجربة السفر التي لم يكتب لها النجاح، حاول أحمد بناء علاقات اجتماعية واسعة ومصادقة أشخاص من كافة الطوائف والملل، في حين كانت علاقاته بأسرته هشة.
عمل أحمد لاحقاً كمتطوع في جمعية غير حكومية دعمته لإقامة معرض للأعمال اليدوية، وتعرف من خلالها على فئات متنوعة في المجتمع من متبرعين وذوي احتياجات خاصة وغيرهم.
يقول أحمد، "حين عملت مع المعاقين شعرت أنني بخير وأستطيع القيام بأعمال كثيرة دون مساعدة أحد".