وُلد أحمد* عام 1968 لأب لبنانيّ وأم سوريّة. عاشَ نحو عشرين عاماً في دمشق، قبل أن يعود ويستقر في لبنان منذ عام 1990. يفهم أحمد طبيعة المجتمع السوري بشكل كبير نظراً لنشأته ودراسته وعمله في دمشق، حيث تعلّم مهنة التمديدات الصحية ومارسها لنحو 20 عاماً. لم يشعر أنه غريب أبداً عن المجتمع السوري. ولكنه لمس فرقاً بين السوريين الذين عاش بينهم في دمشق والذين باتَ يتعاطى معهم ضمن عمله ومحيطه في لبنان.
يقول في ذلك: "لاحظتُ خلال مسيرة عملي منذ رجوعي الى لبنان عام 1990 وحتى اليوم أنّ 90 % من السوريين في لبنان ليسوا من أهل المدن، مثل دمشق أو حمص، بل جاؤوا من الأرياف وهناك فرق، ابن المدينة يكون دائماً أنضج وأوعى في التعاطي وفهم وتحليل الأمور من ابن القرية".
يرى أحمد أنّ نصف أبناء المجتمع اللبناني هم سوريون أساساً، فمنذ زمن تزوّج كثير من اللبنانيين وخاصة أهالي بيروت من السوريّات، وتحديداً من دمشق وحلب، كانوا يتنقلون ما بين الشام ولبنان بشكل عادي وطبيعي، لم يكن ثمة تفريق. فالمجتمع الدمشقي (الشامي) ليس بعيداً عن المجتمع اللبناني البيروتي، نتيجة العلاقات والمصاهرات بين الشعبين. ولكن هذا المفهوم تغّير مع مرور الزمن بصورة سلبية.
يقول أحمد: "ثمة شريحة من الشعب اللبناني تعتقد بأن السوريّ، هو ذلك الحمّال أو عامل النظافة، لا يعرفون أن الشعب السوري يضمّ المبدعين والعباقرة والأكاديميين وغيرهم". سبب تلك النظرة برأي أحمد هو ذاك السوريّ الذي أتى الى لبنان ضمن فترات معينة، كان إما رأسماليّ كبير هارب الى لبنان لسبب ما كالتأميم أو غيره. أو من صغار الكسبة الذين يعملون حمّالين في الميناء أو ما شابه. ومن جهة أخرى أثّر دخول الجيش السوري الى لبنان في السبعينيات والذي عكس بعض عناصره غير المتعلمين القادمين من قرى نائية صورة نمطية سلبية علقت في ذهن اللبنانيّ عن السوريين. انتقلت تلك الصورة النمطية عبر الأجيال من الآباء للأبناء في لبنان. ولكنها تغيرت اليوم قليلًا بفعل الإعلام والمسلسلات المشتركة السورية- اللبنانية التي تعكس حقيقة وتنوع الشعب السوري.
في الفترة الأخيرة انقلبت مشاعر الشعب السوري تجاه المجتمع اللبناني والحكومة والبلد إلى كره نتيجة القرارات التعسفية والمعاملة السيئة التي يتعرّضون لها. يقول أحمد: "اليوم إذا سألت أي سوريّ في لبنان عن رغبته بالعودة إلى بلده سيقول أتمنى ذلك اليوم قبل غد. ولكنه غير قادر على ذلك نتيجة أوضاع أمنية معينة أو بسبب طلبه إلى الخدمة العسكرية الإلزامية. فالشعب السوري يعيش حالة خوف في بلاده منذ زمن وما يزال، رغم أن المواطن العادي في حال تفاديه للمشاكل التي تمس الدولة أو الأمن أو السياسة لا يواجه أي مضايقات من قبل الدولة".
"الحياة في سوريا أقرب إلى البساطة" وهو ما يفتقده أحمد اليوم في لبنان، فهو يتمنى العودة والعيش في سوريا لكن ذلك بات صعباً بعد تأسيسه لحياته وعمله وعائلته برفقة زوجته وأطفاله منذ 30 عاماً. يقول في ذلك: "افتقدتُ شيئاً ما حين عشتُ في لبنان. ربما البركة والإخلاص والمحبة التي كانت سائدة في سوريا، هناك تمشي في الطريق دون أن يسألك أحدهم عن اسمك الكامل أو من أي المناطق أنت ليعرف طائفتك ودينك".
لدى أحمد اليوم أصدقاء ومعارف كثر في دمشق وفي بيروت أيضاً بحكم تجربته وعمله. ولكنّ ما تزال شبكة علاقاته مع السوريين في لبنان أوسع من علاقاته مع اللبنانيين.
*اسم مستعار