يخبرنا أرساني عادل (34 سنة) من مصر، عن نظرته لهويته معتبراً أن الدين يشكل جزءاً أساسياً منها، حيث يقول:
أنا أعمل في مجال التنمية، وبصفة عامة أرى أن الدين مؤثر في شخصيتي وهويتي، وأعتقد أنه مؤثر في كل شخص موجود، خصوصاً وأننا نعيش في مجتمع يميل إلى التفكير الديني بشكل واضح، وكذلك صوت الدين فيه مسموع، سواء كان من المسيحيين أو المسلمين.
وعن طبيعة التواصل بين أرساني ومحيطه الاجتماعي، المختلف دينياً، يقول:
لا أجد صعوبة بالتواصل مع اخواتي و أصدقائي من المسلمين، من جاري إلى البائع في السوبرماركت والناس في الشارع، الجميع حولي يجعلني أستطيع التعامل معه بسهولة، الآخر من غير ديني، أتفهمه من حيث الثقافة والدين ومن حيث احتياجاته.
وخلال ثورتي 2011 و2013 في مصر، يشير أرساني إلى الأثر الذي تركته صورة الانسجام بين المسيحيين والمسلمين، بأنه أثر إيجابي، ويضيف:
لم أشعر أن هناك اختلاف، إنما وجدت تأكيداً لوجهة نظري، وهي أن هنالك وئام وانسجام شديد جداً بين المسيحيين والمسلمين، وبالطبع هناك اختلافات معينة، لكنني أشعر أن لنا في النهاية هدف واحد، نتوحد عنده، هذه هي ظروف البلد، ولو وجد قصور في الاقتصاد، سيؤثر على الطرف الآخر، وكذلك لو انتشرت البطالة فهي لن تفرق بين الأديان، وبالمقابل لو حدثت أمور مفرحة مثل مباريات كرة القدم، سوف نتشارك جميعاً بلا تفرقة. عندما تفوز مصر، جميعنا سيشعر بالفرح مع بعضنا البعض، وأيضاً سوف نكون معاً حين تحدث أمور محزنة لنا.
ويستحضر أرساني موقفاً من الخدمة العسكرية، يعكس صور الانسجام بين المسيحيين والمسلمين، يقول:
عندما كنت أؤدي خدمة الجيش، كان هناك تفاهم بيني وبين أصدقائي وإخوتي من المسلمين، كنا ننام معاً في مكان واحد، ونصحو بجوار بعضنا، نتناول طعامنا سوية في طبق واحد، نحمل السلاح جنباً إلى جنب، وذلك ما أتاح بيننا نوع من المحبة الشديدة والمساحات الآمنة، حيث تزول الفروق واحدة تلو الأخرى، ومع التعامل فيما بيننا، يتفهم كل جندي الآخر، ويفهم طبيعته وتفكيره وطبيعة دينه بشكل ما، لأن المجتمع الواحد الذي نحيا فيه لفترات طويلة مع بعضنا البعض، يجعلنا نستطيع أن نفهم ونتفهم البعض بسهولة. مثلاً أيام الصوم عن اللحوم عندنا، كان اخوتي المسلمين يراعون ذلك بدرجة كبيرة، وكانت جميع وجباتهم نباتية، والعكس صحيح، فبعد بداية الصوم بفترة جاء شهر رمضان، في ذات التوقيت، وأصبحنا نحن المسيحيين نتناول طعامنا في وقت مدفع الإفطار. رغم أننا نستطيع تناول الطعام في الساعة الثالثة عصراً، لكننا كنا نؤجل ذلك حتى نتشارك مع زملائنا المسلمين طعام الإفطار عند مغيب الشمس الساعة السابعة.
ويرى أرساني أن هناك ما يشبه سوء الفهم لدى بعض المختلفين عنه دينياً، حيث لا يعتبر ذلك نوعاً من أنواع التباعد، ويوضح قائلاً:
الأشخاص المختلفين دينياً عني، أظن أنهم يتعاملون معي وفق خلفية سيئة تحتاج إلى تصحيح، وهي نظرة مسبقة لي كإنسان مسيحي مختلف عن الآخر المسلم مثلاً، وما إن يحدث التواصل، حتى يتم تعديل تلك الصورة النمطية، بيننا ويصبح التعامل طبيعياً بشكل يومي في المجتمع وتلك الصورة تزول تلقائياً.
لم يشارك أرساني بشكل مباشر في ثورة عام 2011 في مصر، حسب قوله، لكنه بعد شهور من انطلاقتها، تعاون مع زملائه في الجامعة في تجميل الشوارع بالرسومات، يقول:
كنا نقوم بطلاء جدران بعض الشوارع ونرممها لأنها كانت تعاني أشكالاً مختلفة من الخراب، فأردنا وضع زينة لها وتجميلها، وكانت احدى زميلاتي موهوبة بالرسم، وبدأنا نتجمع وننزل إلى الميادين التي تحتاج إلى تجميل، نزلنا إلى مناطق في مدينتي هنا في الإسكندرية، وكان يوم طويل جداً حصلنا على دعم وتشجيع الناس دون النظر إلى دياناتنا. عام 2013 شاركت كما كل المصريين بالنزول إلى الشارع.
ويتذكر أرساني مواقفاً تعكس حالة الانسجام بين المسيحيين والمسلمين في تلك الفترة مثل إصابة إحدى السيدات المحجبات بالتعب والإرهاق والسقوط على الأرض وكانوا يجتمعون جميعاً لنجدتها بصرف النظر بين مسيحي ومسلم، ويؤكد:
لم أر هذا الموقف مرة أو مرتين، إنما على الدوام، كنت أرى الشباب وأنا منهم، جميعا شعب واحد، فيهم المسلم والمسيحي والجميع يتصل لنجدة المحتاجين، كنا نرى الطاعنين بالسن والذين يحتاجون الماء بشكل مستمر، فنساعدهم بالماء والطعام بلا تفرقة.