كان أسامة علي شويهدي، الملقّب بسامي، طالباً في العام الأول في كلية إدارة الأعمال حين قَتَل المجلس الثوري طالباً في جامعة بنغازي عام 1976 .
يقول شويهدي “اعتادوا أن يطلقوا على أنفسهم اسم طلائع الثورة؛ وتبع تلك الحادثة نزاع بين المؤيّدين والمعارضين مما دفعنا إلى التظاهر في ميدان الشجرة، وهناك وقعت اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة وتدخل الجيش، تمّ القبض على بعض الطلاب وكنتُ من ضمنهم، حيث تم سجننا لأكثر من أسبوع ثم أطلقوا سراحنا بعد أن وقّعنا على تعهّدٍ“.
بعد عدّة أشهر، ألقى القذافي في السادس من إبريل خطاباً في مدينة سلق بالقرب من بنغازي.
يقول شويهدي “قال القذافي بأن اللجان الثورية ستطهّر الجامعة من المتطرّفين، وكان يشير إلينا إذ كنّا من طالب باستقلال اتحاد الطلاب، فشعرتُ بالخوف و لم أذهب إلى الجامعة في اليوم التالي“.
تمّ إلقاء القبض على شويهدي يوم الثامن أو التاسع من أبريل.
يتحدث شويهدي عن معاناته “أطلق سراحي خلال المحاكمة الأولى في بنغازي بينما تمّ نقل البقية إلى طرابلس والحكم عليهم إما بالسجن لإثني عشر عاماً أو بالإعدام. ماتت حركة الطلاب شيئاً فشيئاً بعد أن تمّ شنق عمر دبوب ومحمد بن سعود“.
حضر شويهدي عملية الشنق بالقرب من الميناء في بنغازي.
يقول عن ذلك “كنت مع ابن عمّي صادق وكانت تسري شائعات عن شنق شخصين عند الميناء، فتوجّهنا إلى هناك ولكننا لم نعثر على جثة أحد. أخبَرَنا بعض الموجودين أنه تم شنق شخصين أحدهما من الجالية المصرية والثاني مغنٍّ ليبي.
كانت الساعة حوالي الثالثة عصرًا، وفيما كنّا نبتعد عن المكان رأينا مشنقة أخرى، فوقفنا لنشاهد ماذا سيحدث، رأينا حينها عمر دبوب ومحمد بن سعود ملفوفين بلافتات مكتوب عليها كلمة خونة، وعلى الرغم من أن محمد بن سعود مشلولٌ حملوه ووضعوا رأسه في عقدة حبل المشنقة، أما دبوب فكان واقفاً على كرسيّ تمّت إزاحته من تحته لشنقه“.
بعد إطلاق سراح شويهدي، وجد نفسه مطروداً من الجامعة فذهب إلى المحكمة وحصل على الحقّ في العودة إلى الدراسة. قضى عام 1979 في الولايات المتحدة وأكمل امتحاناته النهائية عام 1982 في بنغازي، ألقي القبض عليه مجدداً بعد شهر على ذلك.
يقول أسامة “اتهموني بالتورّط في مؤامرة شيوعية ضد الحكومة، فسجنوني في سجن الحصان الأسود في طرابلس مع ثلاث فتيات هنّ جميلة وصوفيا وسارة، اللواتي رسمنَ رسوماً مناهضة للنظام على جدران الجامعة، عرفناهن كونهن زميلات لنا في نفس الكلية، فحاولت السلطات أن تربط بيننا جميعاً في قضية مؤامرة كبيرة كجزء من حركة 1976.
قضت الفتيات أشهرًا قليلة في السجن، وكنّ في ذلك الوقت من أوائل النساء اللواتي تمّ سجنهن، الأمر الذي لم يكن متعارفاً عليه في ليبيا بعد.
أطلق سراح شويهدي بعد حوالي عشرين شهرًا قضاها متنقّلاً بين سجن 7 أبريل في بنغازي والجديدة والحصان الأسود في طرابلس.
يقول شويهدي عن التعذيب “توفي ناجي بو حوية أمام عينَي في سجن 7 أبريل، كان قد اعتقل معي سابقاً عام 1976 وكان طالباً في السنة الرابعة في كليّة الحقوق، وكذلك مات أحمد مخلوف هناك جراء تعذيبهما حتى الموت على يد أحمد مصباح وعبد الله السنوسي وحسن شكل.
تمّ تعليق أسامة شويهدي من رسغيه طوال الليل وحتى الصباح مما أتلف أعصابه إلى درجة منعته من تحريك ذراعيه لعدة أشهر.
يتابع شويهدي حديثه عن معاناته في السجن “بعد مرور ستة أشهر في المعتقل، انتقلنا من الزنزانة الفردية إلى الجماعية وكان زملائي يطعمونني ويهتمون بنظافتي ويمسكون لي السجائر لأنني عاجز عن تحريك يدي، كان بعضهم أطباء فساعدوني بالعلاج الطبيعي البسيط، ومن ثم توقّف التعذيب بعد ستة أسابيع حين تمّ نقلنا من سجن 7 أبريل إلى الجديدة.
"حتى الحيوانات لا تعيش بهذه الطريقة، فنحن لم نكن نرى ضوء الشمس، ولم تتوفّر لدينا المياه الصحيّة ولم نتلقّ أي زيارات عائلية، لكننا نظّمنا أنفسنا وكنّا نلعب الشطرنج ونتعلّم اللغتين الإيطالية والفرنسية من زملاء أجانب لنا، وبعد مدة سُمح لعائلاتنا بزيارتنا وجلب الطعام الذي تشاركناه مع زملائنا في الزنزانة“.
بعد عدّة أشهر من إطلاق سراحه عام 1983، قبض عليه مرّة أخرى في مارس 1984 لتورّطه في أنشطة الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، فقد كان ابن عمه وصديقه المقرّب صادق الشويهدي في الحركة، بعد أن عاد مؤخرًا من الولايات المتحدة منهياً دراسته هناك.
يقول أسامة “كان صادق مسؤولاً عن تقديم الدعم اللوجيستي للمنضمين، وكانت الحركة تخطّط لغارة مسلّحة على مجمّع باب العزيزية في طرابلس، وبالفعل تمّ تنفيذ الغارة في الثامن من مايو من ذلك العام لكنها لم تنجح”.
قابلتُ صادقاً في أوائل عام 1984 قبل اعتقالنا، فأخبرني عن خطّة الجبهة، وحينها نصحته بتوخّي الحذر.
بعد أيام ألقي القبض عليّ في بنغازي، وبعد أسبوعين تمّ نقلي إلى سجن أبو سليم في طرابلس، كان حينها سجناً جديداً، وكنت من أوائل النزلاء فيه.
رأيت صادقاً آخر مرّة في مايو قبل أيّام قليلة من إعدامه في سادس يوم من رمضان.
كنْتُ في غرفة الاستجواب التي قادها خليفة حنيش رئيس الاستخبارات في ذلك الوقت، حيث أخبرني حنيش أنه سيتمّ إعدام الصادق خلال أيام.
لم نتحدث أنا وصادق في منتصف تلك الليلة، جلسنا على أرض الغرفة وأيدينا مقيدة خلف ظهورنا، كان يبدو على وجهه أنه علم بأمر إعدامه، فقد أخبره حنيش بذلك ليعذّبه أكثر. أرسل أسامة شويهدي إلى السجن في بنغازي بعد أشهر قليلة، وأخبره زملاؤه الطلاب والسجناء أنه قد تمّ إعدام صادق بطريقة وحشية في المدينة الرياضية.
يقول أسامة شويهدي عن إعدام الصادق “ كانت إحدى نساء اللجنة الثورية تشده من ساقيه وهو يشنق، لكنه لم يمت من الشنق، فنقلوه إلى المستشفى وهناك أعطوه حقنة قاتلة ليموت”.