ولد أسامة* عام 1967 في حي باب هود بمدينة حمص، لعائلة متوسطة الدخل من العائلات الأصيلة والمعروفة في المدينة. يُعتبر باب هود من الأحياء القديمة والعريقة يقع بقرب القلعة والساعة القديمة، وسمي بهذا الاسم نسبة الى مقام النبي هود عند الباب القديم لسور حمص القديمة، ويوجد أبواب أخرى مثل باب التركمان وباب السباع.
يمتاز سكان المنطقة القديمة بالتجانس في العادات والتقاليد لتواجدهم في المنطقة منذ مئات السنين، ومعظمهم من المسلمون السنة، باستثناء حيّي الحميدية وبستان الديوان الذين يضمان سكاناً مسيحيين، وهم من السكان الأصليين في المنطقة ومتعايشون تمامًا مع جيرانهم المسلمين.
يقول أسامة، "تتصف العلاقة بين السكان المسلمين والمسيحيين بالود والتآخي، لدي أصدقاء مسيحيون في حمص القديمة وعدة مناطق أخرى ما زلت أُكنّ لهم كل الاحترام والتقدير، في مدرستي الثانوية، كان ربع الطلاب في صفي مسيحيين، لي معهم ذكريات جميلة وأيام لا تنسى".
ويتابع القول، "دخل العلويون الى حمص في الستين سنة الأخيرة واستقروا في أحياء معينة وخاصة شرقي المدينة، قادمين من الساحل وريف حماة".
يتحدث أسامة عن بعض العادات والطقوس الاجتماعية لأبناء حمص القديمة، ففي أعياد الفطر والأضحى، لا ينام الناس في يوم وقفة العيد، حيث ينشغلون بالتسوق والتحضير للعيد.
"كانت أغلب العائلات تصنع حلويات العيد في المنزل، ولكنها صارت مؤخرًا تشتري الحلويات الجاهزة من الأسواق، مثل المعمول والأقراص وغيرها"
كانت الأفراح وحفلات الزفاف تتم بحسب عادات وتقاليد كل منطقة، ففي باب هود كان عقد القران "كتب الكتاب" يسبق حفل الزفاف ويحضره الرجال فقط، وفي العرس تتواجد الفرقة الاستعراضية "العراضة" وهي تشبه مثيلاتها في دمشق وحلب إلا أنها تتميز عنها باللباس.
وبالنسبة لشهر رمضان الكريم، فذكرياته حاضرة أيضًا في ذهن أسامة، حيث كانت عائلته تجتمع لسماع صوت المدفع (دلالة على الإذن بالإفطار)، وبعد تناول الطعام، يتوجهون لأداء صلاتَي التراويح والعِشاء في أحد المساجد العريقة القريبة.
يصف أسامة النساء الحمصيّات بأنهن ربات منزل من الدرجة الممتازة وبأن المطبخ الحمصي يتفوق على الدمشقي والحلبي، ومن أشهر أطباقه، المقلوبة والمحاشي والكبة الحمصية بأنواعها.
بعد حصوله على الشهادة الثانوية العامة، توجه أسامة إلى حلب ليدرس في المعهد المتوسط الهندسي- اختصاص كهرباء، وخلال فترة دراسته في المعهد انتقلت عائلته في حمص الى حي الإنشاءات، يقول في ذلك، "الأحياء الجديدة مثل الإنشاءات والغوطة والمحطة احتضنت بعض سكان الأحياء القديمة وتشابهت معها في العادات والتقاليد، إلا أن التواصل بين الأهالي اختلف كلياً وصار مقتصراُ على السلام المتبادل بين الجيران من باب المجاملة، بينما تميزت العلاقات في الأحياء القديمة بالألفة الكبيرة والثقة والأمان، كما أن هناك اختلافًا في النظام العمراني، حيث تتصف الأحياء الحديثة بأبنيتها الطابقية ونظام الشقق السكنية، بينما تتميز الأحياء القديمة ببيوتها العربية ذات الفتحة السماوية وتسمى "المربع"، وفي حال كان البيت مؤلفاً من طابقين يسمى "القصر".
ظلت حمص محافظة على طبيعتها الديموغرافية حتى عام 1963، وكانت نسبة العلويين فيها لا تتجاوز 1% من السكان، وكان أبناء الأقليات معروفين من قبل الجميع وخاصة في حمص القديمة، ثم تغير الوضع بعد الانقلاب العسكري لحزب البعث العربي الاشتراكي، حيث بدأت حركة ملحوظة لوفود فئات جديدة مثل البدو والقرويين بشكل عام والعلويين القادمين من أرياف اللاذقية وحماه وحمص وطرطوس بشكل خاص، ومع أن هذه الحركة شملت أغلب المحافظات السورية إلا أن مدينة حمص كان لها النصيب الأكبر، وتوزع هؤلاء في أحياء محددة منها حي الزهراء وحي النزهة والتي كانت في السابق أراض زراعية يملكها أهالي حمص الأصليون، حتى باتت نسبة العلويين في حمص حوالي 25% قبل عام 2011 كما يقول أسامة.
"بدأ الوافدون بالاستيلاء على وظائف الدولة في المدينة وكانت الأفضلية دائماً لأبناء الطائفة العلوية التي بات أبناؤها يشغلون أكثر من 75% من الوظائف بالرغم من عدم امتلاكهم الكفاءات، بدأت مظاهر الرشوة والفساد العلني تنتشر بينما لم يكن هذا الأمر مألوفاً في السابق، مما دفع الأهالي الأصليين للتوجه نحو المهن اليدوية والحرف المستقلة مثل النجارة والحدادة وغيرها".
في عام 2007 وضع محافظ حمص إياد غزال مشروعاً خطيراً أطلق عليه اسم "مشروع حلم حمص"، كان ينوي من خلاله هدم وسط مدينة حمص بأحيائها وأسواقها القديمة والحديثة لإقامة أبراج فخمة، والهدف الرئيسي منه هو استئصال أهالي حمص الأصليين من المدينة باعتبار أن هذه المناطق لا تضمّ سوى المسلمين السنة والمسيحيين، مما دفع الأهالي والتجار لمقابلة الرئيس بشار الأسد لإقناعه بالعدول عن المشروع حتى تم تجميده.
عمل أسامة في القطاع الحكومي بمجال الكهرباء، منذ عام 1990 ولمدة 22 عاماً، اختلط خلالها بزملاء ورفاق من كافة الطوائف والمناطق في جو ساده الأخوّة التي لم يعكر صفوها سوى التمييز والمحسوبيات في التعيين والترفيع وزيادة الرواتب، والقائم غالباً على أساس الانتماء الطائفي. ويرى أسامة أن كل ما أشيع بعد العام 2000 حول الانفتاح الاقتصادي هو مجرد دعاية كاذبة، حيث بقيت الأحوال المادية لموظفي الدولة صعبة والمعاشات لا تكفي لتغطية نفقات الأكل والشرب، ما دفع غالبيتهم نحو العمل الإضافي في القطاع الخاص.
تم استخدام اسم مستعار للراوي بناءً على طلبه*