لا تتذكر أميرة عجمية تاريخ ميلادها في مدينة تلكلخ بريف حمص، حين كان "الآغاوات" يسيطرون على مفاصل الحياة، ويملكون الأراضي التي يعمل بها سكان المدينة.
تحكي أميرة حادثة وفاة أبيها التي تُبيّن سطوة طبقة الإقطاعيين في تلك الفترة، "في عرس بنت محمد بيك، امتطى والدي حسين حصانه القوي وتحدى الجميع أن يسابقوه الى القرية التي سيأخذون العروس إليها، وعند وصوله أول الركب، قام بعض الرجال بطرحه أرضاً عن جواده لأنه تجرّأ وسبق خيول الآغاوات والوجهاء، ثم تم إرساله الى طرابلس في لبنان، وفي اليوم التالي أعادوه إلينا جثة هامدة".
كان والد أميرة يعمل "شوباصي" عند الآغا، أي أنه رجل الآغا الذي يساعده في أعماله وحراسة أرزاقه من محاصيل وماشية وغيرها، وكان فارساً له هيبته بين أبناء المنطقة، وبعد وفاته قام عمّها بالاستيلاء على كل أملاكهم من خلال تزوير بعض الأوراق، ما اضطر والدتها للعمل في غسيل حاجيّات الآغاوات كي تستطيع إعالة أطفالها، وفي ذلك الوقت قدم لهم أحد الأقرباء منزلاً يسكنونه، كما كان زوج خالة والدتها يساعدهم عن طريق إرسال بعض المؤن الغذائية من وقت لآخر.
تتحدث أميرة عن قوة الأعراف الاجتماعية في تلك الفترة، "عند وفاة أبي، كانت أمي حبلى بأخي حسين، فقام خالي الظالم بإجبارها على الدخول الى الناس المجتمعين في ليلة العزاء كي تخبرهم بأنها حامل في شهرها الثالث، منعاً للشبهات والأقاويل عندما يحين وقت الولادة".
أرادت أم أميرة أن ترسلها برفقة أختيها الى المدرسة، لكن خالها منعهم من ذلك متذرعاً بأنه لا يجوز لهنّ الذهاب الى المدرسة بمفردهن دون مرافقة رجل. "قال خالي يومها، لن أسمح لكنّ بالذهاب الى المدرسة كي لا تتعلمنّ الكتابة وتكتبن الرسائل لمن تحبّون"، وهكذا بقيت أميّة لا أجيد القراءة والكتابة.
تذكر أميرة أن أغلب نساء القرية كنّ يعملن في خدمة وتلبية طلبات زوجة الآغا التي كانت تقدم لهنّ بعض المال أو المؤن الغذائية مثل الحبوب والقمح مقابل خدماتهن.
عانت عائلة أميرة كثيراً من ضيق الأحوال والفقر خصوصاً بعد مرض أخيها الأصغر حسين،
تقول في ذلك، "كنا أطفالاً صغاراً وكانت أمي تأمرنا بخلع ثيابنا والنظر الى السماء والدعاء بالرزق والشفاء لأخينا حسين، كنا نبكي وندعو الله أن يرزقنا، ولكن حسين لم يتعافى وتوفي قبل أن يكمل عامه الثاني".
تزوجت أميرة مرغمة وهي في سن صغيرة قبل البلوغ، وذلك بعد أن قرر رجال عائلة والدها المتوفى تزويجها من أحد سكان الحي، بكت أميرة كثيراً في يوم زفافها ورفضت الزواج لكن والدتها ضربتها وأجبرتها على القبول، حتى انها بقيت عدة أيام بعد الزواج لا تستطيع النظر الى وجه زوجها الذي كان لا يستحقها بحسب رأيها، فقد كانت فتاة جميلة وهي بنت الشوباصي حسين عجمية ذائع الصيت.
انتقلت أميرة لاحقاً برفقة زوجها الى لبنان، وبعد وفاته، تقدم لها عدد من الخاطبين لكنها رفضت الزواج كي تتفرغ لتربية أولادها وتأمين مستقبلهم، تقول، "بعد وفاة أبي لم تقبل أمي بالزواج مرة أخرى بل تفرغت لتربيتنا والاعتناء بنا، وأنا أيضاً ضحيّت مثلها في سبيل أبنائي".