افتتحت أمينة نعناع عيادتها الخاصة بالتوليد في منطقة حريتان بريف حلب الشمالي، في وقت كانت فيه المنطقة خالية تماماً ممن يمارسن مهنة "القابلة" أو حتى من طبيبات مختصات بالأمراض النسائية، مما أدى الى تقاطر النسوة الى عيادتها حتى باتت تغطي احتياجات نحو 20 قرية وبلدة في محيطها مثل حريتان وعمدان ونبل والزهراء، وبعض القرى الكردية.
تقول أمينة، "كنت أرى الممرضات في التلفاز وهن يعاملن المرضى بحنان وإنسانية، وأحلم دائماً أن أكون مثلهن، وفعلاً، درست اختصاص التوليد في مدرسة التمريض بجامعة حلب وتخرجت عام 1983، ومازلت أمارس المهنة حتى يومنا هذا".
في بداية عملها، كانت أمينة تولّد النساء في بيوتهن، وفي الحالات الصعبة أو الحرجة كانت تحولهن الى إحدى المشافي الحكومية أو الخاصة في مدينة حلب. كانت تعمل بجد طوال اليوم، الى درجة أن عدد عمليات الولادة التي كانت تجريها وصل أحياناً الى أكثر من عشر عمليات في اليوم الواحد.
لم يؤثر العمل كثيراً على حياة أمينة العائلية قبل الزواج في ظل وجود أمها وإخوتها اللواتي كنَ يساعدنها في المهام المنزلية، ولكن بعد زواجها وإنجابها ابنها الأول، اضطرت الى ترك العمل في عيادات الجامعة وتفرغت للعمل الخاص في عيادتها، وكان زوجها يساعدها في تربية الأطفال ويرافقها الى القرى البعيدة لإجراء الولادات.
تقول، "كنت أحظى باحترام كبير وتقدير من المجتمع، حيث كان ثمة حاجة كبيرة لعمل القابلة في ظل تعصب المجتمع وعدم رغبة الرجال بإرسال نسائهن الى أطباء رجال للكشف عليهن وإجراء عمليات الولادة".
تعاملت أمينة مع مختلف الطبقات في المجتمع من أغنياء ومتوسطي الدخل وفقراء، كان الجميع يفضلون الولادات المنزلية التي تتم على يد القابلة، ولكن ذلك الوضع تغير مع ازدياد الوعي الطبي لاحتياجات المولود وضرورة وجود المشافي والأطباء في حالات معينة، فأصبحت أمينة تجري الولادات في المشافي تحت إشراف طبيب مختص، وكان لدى الأطباء والطبيبات في المشافي ثقة بخبرتها الطويلة في المجال.
تقول أمينة، "يحق لي كقابلة قانونية أن أجري عمليات الولادة الطبيعية فقط، بينما يقوم الأطباء والطبيبات بإجراء علميات الولادة الطبيعية أو القيصرية إذا دعت الحاجة لذلك".
وتتابع القول، "عملت في مناطق مختلفة ومجتمعات متنوعة فيها عرب وأكراد، مسلمون سنة وشيعة، وأجريت علميات ولادة لنساء كثيرات في نبل والزهراء، المنطقتان ذات الأغلبية الشيعية، لم أكن أشعر بالاختلاف عنهم أبداً، وحتى عندما كنت أدرس في مدرسة التمريض، كنت الطالبة الوحيدة من ريف حلب مع 14 طالبة أخرى من الساحل السوري، جمعتني بهم علاقات طيبة وصداقات وزيارات متبادلة استمرت سنوات طويلة ما بعد التخرج".
تقول أمينة إن النساء اللواتي يجتمعن في بيت المرأة ساعة الولادة، كن دائماً يدعين لها بولادة مولود ذكر، فبحسب العادات والموروث الاجتماعي يفضل الذكور على الإناث.
وعن بعض الحالات الصعبة التي واجهت أمينة في مسيرة عملها تقول، "كنت في فترة نقاهة بعد إنجاب طفلي الأول، وجاءتني حالة ولادة مستعجلة، فذهبت برفقة عائلة المرأة بواسطة جرار زراعي، ارتديت جزمة طويلة حتى أتفادى الطين والطمي بعد وصولنا الى الموقع، وبعد إجراء الولادة مرضت لنحو 20 يوماً من شدة إرهاقي".
وتتابع القول، "بعد إجراء حالات الولادات الصعبة والمستعصية، كنت أعاني من آلام في المعدة نتيجة الضغط العصبي أثناء العمل، في إحدى المرات، كان علي إجراء أربع عمليات ولادة، وكنت أنا أيضاً في وقت الولادة والمخاض، فأخذتُ النساء الأربعة الى المشفى، وخضعت بدوري لعملية الولادة، ثم ذهبت للاطمئنان على أحوالهن وأنا أحمل طفلي".
تذكر أمينة أن بعض النساء في قرى وبلدات ريف حلب، كن يعملن في مهنة التوليد وتسمى الواحدة منهن "داية عربية"، أغلبهن كن أميات لا يجدن القراءة والكتابة، أما هي، فقد درست التمريض لمدة ثلاث سنوات، ثم درست عامين آخرين باختصاص التوليد، والذي يحتوي على مواد مشتركة مع ما يدرسه طلاب كليات الطب في السنة الخامسة والسادسة.
تقول أمينة، "أحب مهنتي كثيراً، وأعتبر أن أهم وأسعد اللحظات في عملي، حين تتم الولادة بنجاح وتدعو الأم لي دعوة صادقة من قلبها، في هذه اللحظة أشعر أني أمتلك الدنيا وما فيها".