علّمه والده القراءة والكتابة في سن مبكرة، فكان قادراً وهو بعمر الأربع سنوات على قراءة قصص الأطفال البسيطة، كما كان حافظاً لعدة قصائد.
تميزت القصائد التي حفظها أنس العباس في طفولته بالطابع السياسي نظراً للتوجهات الشيوعية لوالده، فكانت قصائد محمود درويش ومظفر النواب لها النصيب الأكبر في ذاكرته، وبالرغم من صعوبة مفرداتها وعدم فهمه لدلالاتها الإيديولوجية حينها، كانت ذات تأثير كبير من حيث تقوية ذاكرته واكتسابه لملكة الحفظ السريع بشكل عام وحفظ الشعر بشكل خاص.
في عمر الحادية عشرة، اكتشف أنس وجود مكتبة مخصصة لإعارة الكتب لطلاب المدرسة، قرأ خلال تلك المرحلة روايات وكتب عدة، مثل سيرة الاسكندر المقدوني وكتب تحكي عن الفضاء والنجوم والنظرية النسبية والفيزياء الكونية فضلاً عن المجلات العلمية المنوعة.
يقول أنس إنّ مكتبة المنزل المليئة بالكتب الماركسية لم تكن تغريه كطفل، إلا أن ذلك لم يمنعه من قراءة بعض كتب وروايات الأدب الروسي، إذ كان اختياره للكتب مبنياً في الغالب على العامل البصري والصور المرسومة على الغلاف والألوان.
عندما أصبح في مرحلة الدراسة الثانوية، كان أنس مؤهلاً لاستخراج بطاقة استعارة كتب من مكتبة دار الثقافة في مدينة الرقة، والذي كان يعتبر ثاني أكبر مديرية ثقافة في سوريا، فبدأ مسيرة القراءة الجادة، وتوزعت قراءاته بين الفلسفة وعلم النفس والشعر، وكان أول كتاب قرأه حينها هو "أوديب ملكاً" لسفوكليس.
بدأ أنس في هذه المرحلة كتابة الشعر بمفردات بسيطة مشاركاً أقرانه في قرائتها، ونتيجة لتميزه قامت معلّمة اللغة العربية في المدرسة بإهدائه المجموعة الكاملة للشاعر محمود درويش.
بعد حصوله على الشهادة الثانوية بفرعها العلمي، توجه أنس لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، ولكنه لم ينقطع في تلك الفترة عن القراءة بل استغلها بالاطلاع على الموضوعات الدينية وغيرها من المجالات التي كان اطلاعه عليها ضعيفاً فيما سبق، غير أن الشعر ظلّ مساراً دائماً وملازماً له.
بعد أن أتم الخدمة العسكرية، قرر أنس إكمال دراسته، فانتقل إلى لبنان لدراسة الأدب العربي في جامعة بيروت العربية. يقول في ذلك، "كانت مكتبة الجامعة غنية وتحتوي على أعداد ضخمة من الكتب، قرأت فيها عن النقد الأدبي والشعر الشفاهي (وهو الشعر الجاهلي الذي لم يدوّن ) وتاريخ التدوين للأدب والشعر، وقرأت أيضاً لطه حسين وإليوت وغيرهم، كما تعرفت من خلال أحد المقررات الجامعية الذي يسمّى علم المعاجم على تخصص جديد بالنسبة لي، حيث تدرّس هذه المادة تصنيفات المعاجم وأنواعها وجذور الكلمات، وتعرفت أيضاً على أسماء جديدة لأدباء عرب لم يأخذوا حق قدرهم مثل عبد القاهر الجرجاني وأبو هلال العسكري".
بعد تخرجه من الجامعة، انتقل أنس إلى دمشق ليعمل في التدريس، كانت هذه المرحلة مؤثرة في حياته من حيث القراءة والعلاقات الاجتماعية، واستمر كذلك لحين قيام الثورة السورية عام 2011 والتي غيرت بدورها من اهتماماته في القراءة، فاتجه إلى مواضيع تخص علم الاجتماع والسياسة والطوائف وجغرافيا المجتمعات، دون أن يشغله انخراطه في الثورة عن القراءة التي أفادته بالاطلاع على مصير النظم السياسية ومآلات الثورة.
يتحدث أنس عن دور وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت الذي سهّل الحصول على الكتب الالكترونية لأي كتاب يصدر في أي بلد في العالم، إضافة لوجود صفحات متخصصة على وسائل التواصل للمناقشة ومتابعة الكتب التي تحظى باهتمام عالمي أو تحصد جوائز، حيث بات كل ذلك يتم بطريقة سهلة وبسيطة.
عمل أنس لاحقا كمحرر في دار للنشر، فتحول من قارئ عادي إلى صانع للكتاب من لحظة استقباله على شكل ملف رقمي لحين وصوله الى أيدي القرّاء، فإلى جانب الشق التقني الذي لم يتغير كثيراً في ما يخص الطباعة، صار مشاركاً في الجانب الفكري الذي يتمثل في تحرير النص وتنقيحه لغوياً وضبطه بصرياً.
يقول أنس، "هذه الأمور جعلتني أتعامل مع الكتاب بثقة بغض النظر عن الأفكار، وصرتُ أتخيل الكتاب منذ كان مجرد فكرة في رأس المؤلف، الى حين قُدمت الفكرة على شكل كتاب ثم وصلت الى عقلي، أحسست أن الكاتب بات أقرب لي، وأني أعرفه بشكل شخصي، لم أعد مجرد قارىء بل أصبحت مساهماً في صناعة الكتاب".
ويتابع القول، "بالمحصلة صحيح أننا نختار الكتب، ولكنها بالمقابل تختار كيف نكون، فالحياة عبارة عن فكر".
يُحضّر أنس حالياً لإصدار كتابه الخاص والذي سيصدرعن دار نشر في مدينة بيروت، ويعتبر ذلك مسؤولية كبيرة، ويعبّر عن تردده السابق في اتخاذ هذه الخطوة كونه ناقد لنفسه في كثير من الأحيان، ولكنه قرر تجاوز عقدة الكمال خاصة أنه سيتبع هذه الخطوة باصدار عدة كتب أخرى.