أنا اسمي إياد من مدينة حمص في سوريا، ولدت عام 1985، وبقيت في حمص تقريباً حتى فترة اندلاع الانتفاضة ضد النظام. تم اعتقالي في سجون النظام السوري لمدة سبعة أيام، ثم خرجت من المعتقل وأنا أعاني من أذية عصبية وأذية نفسية كبيرة جداً. مع ذلك تابعت الخروج في المظاهرات مع الناس ضد النظام، الأمر الذي استدعى أن أكون ملاحقاً أمنياً، فاضطررت للخروج من سوريا بأواخر عام 2011.
توجهت أولاً إلى الأردن وعشت هناك حوالي 9 أشهر، بعد ذلك تم ترحيلي من قبل المخابرات الأردنية بسبب نشاطي الإعلامي المناهض للنظام السوري، فاضطررت للتوجه إلى مصر حيث بقيت هناك أقل من شهر، توجهت بعدها إلى تركيا حيث بقيت لمدة سنتين بشكل متواصل، عملت خلالها مع منظمات العمل الإنساني المتعاونة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومع العديد من المنظمات الدولية. ولكن المنظمة التي كنت أعمل معها أكدوا لي أن عملي في تركيا انتهى ويجب أن أذهب للعمل في داخل سوريا، ورغم معرفتهم أنني مطلوب هناك، إلا أنهم أصروا أن يكون عملي في سوريا، فاتخذت قراراً أن أخرج من تركيا إلى أي بلد المهم أن أكون في مكان آمن، فقررت المجيء إلى قبرص على أمل أن أخرج من قبرص باتجاه فرنسا.
لم أستطع أن أكون أي انطباع عن قبرص لأنني كنت قد خرجت من حالة خوف وحالة رعب، فكانت قبرص هي الأمان بالدرجة الأولى، جئت إلى هنا وتعرفت على أشخاص سوريين مقيمين منذ زمن في قبرص، كان لهم دور إيجابي أنهم يساعدوني كي أجد مكان أعيش فيه. وقررت أنه يجب أن أعمل خلال هذه الفترة حتى أجد طريقة أخرج بها من قبرص إلى فرنسا. وكوني وجدت عملاً فهذا سبب لي نوعاً من الاستقرار، في البداية كان الناس هنا يقنعوني أن أذهب لأتقدم باللجوء، لكني في تلك الفترة كنت رافض، لأن أي شخص يقدم لجوء ويبصم، يصبح أمر قبول لجوئه في أي بلد آخر صعباً، فكنت رافضاً في البداية. بقيت لمدة ستة أو سبعة أشهر دون أن أقدم لجوء في قبرص، بعد ذلك وجدت أنها بلد جميلة، بلد الحياة فيها بسيطة وحلوة في الوقت نفسه، فقررت أن أتقدم بطلب لجوء، وأستطيع أن أبدأ حياة جديدة من هذه البلد، أستطيع أن أخلق شيئاً في هذه البلد.
عملت مصوراً في المطاعم، أصور الزبائن الذين كانوا يأتون، إضافة إلى أن هذه المطاعم لديهم برنامج كل جمعة سبت تأتي راقصة شرقية، فكان الطقس جميلاً بعض الشيء. وكان تواصلي مع القبارصة، أهل البلد الأصليين، ضعيف قليلاً بحكم عدم معرفتي بلغتهم بالإضافة إلى أن لغتي الإنكليزية ضعيفة جداً، لكن كنت عندما أدخل لأصور الناس، أصور أفراحهم، أصور ضحكتهم، أصور الأجواء الجميلة التي كانوا يعيشونها، كانوا كثيراً ما يحاولوا التودد لي، لشخص غريب عن البلد، لكنه يبدي لهم نوعاً من الاحترام، كانوا أحياناً يتواصلون معي بالإشارة، هذا الموضوع يعطيني طمأنينة. لا يخلو الأمر أن بعض الناس كانوا لا يعرفون كيف يتواصلون معي، لكن الأغلبية كانوا بشوشين، يعني بمجرد أن يبتسم لي شخص، فهو يشكرني عن طريق الابتسامة، كان ذلك يعني لي شيء كبير جداً.
بعد ذلك حصلت على اللجوء السياسي أو ما يسمّى اللجوء الكامل، فكان بالنسبة لي ولادة جديدة، شعرت أني فعلياً ولدت من جديد، أحسست بشعور لم أعيشه من قبل، أحسست بشعور الانتماء إلى بلد ليس بلدي، أحسست أنني أستطيع أن أستقر، أحسست أني يمكن أن أبدأ حياة تمثلني، تمثل طموحي، يعني أن أكون إنساناً، بشراً، شخصاً ذو قيمة، في بلد ما، في نقطة ما بهذا العالم، في الوقت الذي كنت فيه فاقداً لهذا الشعور في سوريا التي هي بلدي، وكان الخوف والرعب في تركيا نتيجة أني شخص ملحد وعلماني، هذا الموضوع كان انقلاباً نوعياً أنني أحصل على اللجوء الكامل.
وصدف أن هناك بنت سورية تعيش في قبرص مع أهلها من زمان طويل، وكانت قد درست في قبرص، وبالتالي فهي تتحدث اليونانية، بشكل جيد، كانت تساعدني كثيراً من الأحيان. الملفت للنظر أن هذه الصبية مرتبطة، يعني مخطوبة وخطيبها أصبحت أنا وهو أصحاب. أنا كشخص متحرر، خرجت من العادات الموروثة في المجتمع السوري، فكان هذا الموضوع إيجابي جداً هنا في قبرص، وأنا وهذه البنت تعاملنا كأصدقاء، كأخوّة، دون أي تفكير منغلق، وعن طريقها تعرفت على الراقصة التي كانت تأتي إلى هذا المطعم، وأيضاً هذه الراقصة متزوجة وزوجها أصبح صديقاً لي، مع العلم أنه لا يوجد لغة نتواصل بها غير أننا نستخدم المترجم على الموبايل لنتحدث معاً. هذه الراقصة بحكم أني شرقي سوري عربي، أفهم بالموسيقى العربية، وأنا لدي عشق للموسيقى بشكل عام، فكانت ترسل لي مقاطع صوت، مقاطع موسيقية، أغاني، تستشيرني بها إن كانت تصلح للرقص أمّ لا في الحفلات، ما هو نوع الموسيقى، يعني أصبح لدي -كما يقال- علاقة اجتماعية، كنت أفتقدها منذ فترات طويلة جداً، فكانت هذه الحالة جزء من الشيء الذي سبب لي استقراراً نفسياً جعلني أستطيع أن أكون متوازناً في هذه البلد، أو أقرب للتوازن.
لازلت الآن في مرحلة بداية الاستقرار، أحاول أن أخلق شيئاً جديداً في حياتي، يجب أن أبدأ بتعلم اللغة، لغة أهل البلد، لأنني بصراحة أحببت كثيراً هذه البلد، وأحببت الجو العام المنفتح والذي يتقبل الغريب، والذي يتقبل الرأي الآخر ويتقبل أي شيء جديد يمكن أن يراه، وهم بعكس المفهوم السائد أو الذي يتحدثون به، أن القبارصة عنصريين… لا، لا ليسوا عنصريين أبداً، أنا نتيجة تجربتي ليسوا عنصريين ودائماً التعميم خطأ.
أنا إياد موجود في قبرص وهذه كانت قصتي.