ولد إيبش خليل عام 1962 في منطقة عفرين بريف حلب، ونشأ في أجواء من التعايش والتسامح بين أبناء المنطقة المتنوعين عرقياً ودينياً ما بين عرب وأكراد وتركمان ومسيحيين.
يقول إيبش إنّ عفرين ضمّت الأكراد منذ ما يزيد عن 300 سنة، إذ كان جل سكانها من الأكراد ما عدا بعض الرعاة العرب الذين توطنوا في الأراضي البور ولم تزد نسبتهم عن الخمسة بالمئة حينها.
كانت عائلة إيبش فقيرة تعتمد في معيشتها على الزراعة التي لا تعود عليهم بالمردود الكافي لتحسين ظروفهم، لذلك ترك إيبش المدرسة في بداية المرحلة الاعدادية وبدأ العمل على الجرار الزراعي في حرث الأرض وجلب البضائع ونقل الركاب من والى القرى المجاورة، واستمر في عمله هذا قرابة عشرين عاماً.
تزوج إيبش في عمر الثلاثين واستقر في منزل أهله، فالزواج عند الأكراد يتم بحسب الترتيب العمري للأولاد، حيث يتزوج الأكبر فالأصغر ويسري هذا الأمر على الشبان والفتيات.
في عام 2001 سافر إيبش الى لبنان بهدف العمل في الزراعة الموسمية، فصار يقيم في لبنان ثلاثة أشهر من كل عام يعمل خلالها في زراعة الحمضيات ثم يعود للعمل في قريته باقي أيام السنة، ما وفّر له دخلاً اضافياً ساعدته على تأمين مصاريف معيشته التي ازدادت بعد زواجه، فاستطاع بناء منزل له ثم لابنه فيما بعد.
يقول إيبش، "تشتهر عفرين بزراعة الزيتون، ولكن طبيعة موسمه الذي ينتج عاماً ولا ينتج في العام الآخر فضلاً عن صعوبة ريّ الأراضي بسبب نقص المياه وعدم قدرة الأهالي المادية على حفر الآبار أدت الى تقلص الأراضي الزراعية، فاضطر البعض للعمل بين المواسم خارج المنطقة، في حين تمكن آخرون من حفر الآبار الإرتوازية التي كان لها أكبر الأثر في تسهيل زراعتهم وزيادة محاصيلهم وتنوعها".
ويتابع القول، "لم تحتوي عفرين قديماً على أراض زراعية واسعة نظراً لصعوبة استصلاحها وعدم توفر الآليات الزراعية الحديثة، ما أدى لانتشار الأراضي البور بشكل واسع، فعاش سكانها فقراً مدقعاً وفقدوا الاتصال بالمدن الكبرى لدرجة أن أهالي عفرين لم يعرفوا بوجود المحروقات أو مشتقاتها حتى مرحلة الانتداب الفرنسي، فكانوا يعتمدون في معيشتهم على الزيت والحطب فقط، استمرت هذه الحال إلى أن تم فتح الطريق الرئيسي الذي وصل عفرين بمحيطها، فأصبحت المنطقة محطّ أنظار الكثيرين وتطورت بشكل ملحوظ مع مرور الوقت، وباتت تضم المحال التجارية والصناعات التي تلبي حاجة أهلها، كما زادت المساحات الزراعية وازداد عدد الأشجار وخاصة الزيتون، وتم افتتاح بعض المنشآت الحكومية بهدف الإرشاد وتوزيع البذار والأسمدة والمبيدات الحشرية وتقديم القروض المالية للفلاحين".
شهدت التجارة أيضاً تطوراً ملحوظاً في عفرين، فصار تجار الجملة يتوجهون إليها قادمين من حلب، يشترون المحاصيل وزيت الزيتون لبيعها بسعر التجزئة، ومع مرور الوقت ازداد وعي السكان والفلاحين مع وجود طبقة جديدة متعلمة ومع ظهور المدارس أواسط السبعينات، مما حدّ من جشع التجار واستغلالهم لجهل وأميّة المزارعين.
وبالنسبة للقطاع الصحي، كان مهملاً في ظل غياب الأطباء والمشافي عن المنطقة، وكان المضطر يتوجه الى ناحية قريبة أو إلى مشافي مدينة حلب، رغم أن هذا الأمر لم يكن سهلاً على الأهالي في ظل الفقر الذي عاشوه فضلاً عن افتقارهم الى لغة التواصل فأغلبهم لا يتكلمون العربية.
يقول إيبش، "في ظل التنوع الديموغرافي للمنطقة، تعلم بعض السكان لغات جيرانهم، فأغلب الأكراد المسنّون يتكلمون اللغة العربية بسبب تعلم وقراءة القرآن في المساجد، والعرب تعلموا بدورهم بعض الكلمات والعبارات الكردية، ومن جهة أخرى يوجد بعض كبار السن الأكراد لا يعرفون سوى اللغة التركية نتيجة العلاقات التجارية التي جمعتهم مع الأتراك والتنقلات المتكررة قبل وضع الشريط الحدودي مع تركيا، وكان للمدارس الدور الأهم في انتشار اللغة العربية بين جميع القوميات ليصبح التفاهم سهلاً بين أبناء الجيل الجديد".
يتابع القول، "كانت العلاقات بين الأكراد وغيرهم من أهالي المنطقة علاقات طيبة يسودها التفاهم والود المتبادل، ولم يشكل اختلاف القومية أو الطائفة عائقاً أمام الزواج، كما تشارك السكان على اختلاف مشاربهم في الأعياد والمناسبات".