باسمة جبري

احد مقابلات حزمة: سِيَر سورية,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: تركيا
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

"كانت كل فروع المصرف المركزي في المحافظات عبارة عن مستودعات للأموال لا تمت للقرار الاقتصادي بصلة".

ولدت باسمة جبري عام 1975 لأب دمشقي وأم من مدينة اللاذقية، توفي والدها بعد ولادتها بعام واحد فعاشت مع أمها في بيت جدها بمنطقة المشروع الأول في اللاذقية، وهي منطقة مختلطة تضم طوائف وأديان عدة كالمسلمين السنة والعلوييين والمسيحيين.

تقول باسمة، "ترعرعتُ ضمن هذه الأجواء من التعايش، كان لدي أخ وأخت بالرضاعة من الطائفة العلوية، كمان كان عندي الكثير من الأصدقاء المسيحيين".

كانت باسمة في الصف الأول الابتدائي حين لحقت بوالدتها الى السعودية، وأمضت هناك ست سنوات تابعت خلالها تعليمها، تقول، "للأسف لا تستطيع بناء حياة أو امتلاك بيت في سوريا دون أن ترث مالاً أو تتغرب لتأمين مستقبلك".

وتتابع القول، "في ذاكرتي كثير من الصور المؤلمة بعد عودتنا الى سوريا أواخر الثمانينيات، عشنا حينها مرحلة صعبة في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد، كنا نقف بالساعات في طوابير على أبواب المؤسسات الاستهلاكية لشراء بعض الحاجيات في ظل حالة من الاختناق الاقتصادي وقلة المواد الأساسية والازدحام في وسائل المواصلات".

تابعت باسمة دراستها في المعهد الهندسي بمدينة اللاذقية، ثم توظفت عام 1995 في مؤسسة حكومية للاستشارات والدراسات الهندسية، ولكنها شعرت أن العمل لم يلبي طموحها المهني، فأعادت تقديم امتحان البكالوريا ثم انتسبت الى كلية الحقوق في جامعة حلب بسبب عدم تواجد هذا الفرع في جامعة اللاذقية، تقول، "أقمتُ في السكن الطلابي التابع للجامعة، لم تكن تجربة سهلة  حيث كنت موظفة وطالبة في آن معاً، ولكني استمتعتُ بها لأني خضتها بإرادة ورغبة مني في التطور".

وتتابع القول، "كان ثمة أساتذة جامعيون أجلّاء، وفي المقابل تعرّفنا بعد السنة الثالثة على ظاهرة بيع المواد ودفع الرشاوى لبعض الأساتذة في سبيل النجاح، بعض الطالبات بعنَ ما يملكنه من قطع ذهبية، وأخريات انتقلنَ في السنة الثالثة الى كلية الحقوق في دمشق بسبب انتشار ظاهرة شراء المواد أو حتى الجنس مقابل النجاح في فرع اللاذقية، ولكني كنت عنيدة وأصريت على النجاح بجهدي ودون دفع أي رشوة، ولذلك أعدتُ آخر مادتين  لثلاث دورات امتحانية على مدى سنة ونصف، حتى نجحتُ أخيراً وتخرجت من الجامعة".

تقول باسمة إن نظرتها للشعب السوري ومكوناته تغيرت خلال دراستها في الجامعة، فقد رسّخ الإعلام الحكومي صورة نمطية لبعض المناطق في محاولة منه لقطع العلاقات بين أبناء المحافظات، "نتيجة لتلك الممارسات، كانت فكرة أهل اللاذقية مثلاً عن أهالي الرقة أنهم مجرد فلاحين ورعاة للغنم، وفكرة أهل الجزيرة عن سكان اللاذقية أنهم شعب منفلت أخلاقياً، ولكن نظرتي تغيرت من خلال علاقاتي بطلاب مثقفين من مناطق عدة مثل ريف إدلب والحسكة وغيرها".

انتقلت باسمة الى المركز الرئيسي لشركة الدراسات الفنية الهندسية، حيث كان جميع المهندسين مخصلين في عملهم ومهتمين بشكل كبير في التطوير والتدريب لكوادر الشركة، اكتسبت باسمة خبرات قوية في مجال الكمبيوتر وقواعد البيانات وغيرها، وصار لديها علاقات واسعة في الشركة ما أهّلها لتسلم منصب مديرة الشؤون القانونية.

بعد 14 عاماً من عملها في شركة الدراسات واكتسابها خبرات وظيفية كبيرة، سنحت الفرصة لباسمة أن تعمل في البنك المركزي في مدينة اللاذقية، ولكن الإدارة العامة لشركة الاستشارات رفضت طلب استقالتها بسبب سمعتها الجيدة ومثابرتها خلال سنوات عملها، وفي نهاية الأمر تم لها الانتقال الى البنك المركزي، تقول في ذلك، "سعيتُ خلال عملي في البنك الى تطوير نفسي والمشاركة في الورش والدورات التدريبية العلمية في العلوم المصرفية والإدارية داخل وخارج سوريا، كما حصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الافتراضية السورية".

اكتشفت باسمة من خلال عملها أن المصرف المركزي لم يكن له أي دور في الاقتصاد السوري الذي تتم إدارته بتوجيهات سياسية، تقول، "كانت كل فروع المصرف المركزي في المحافظات عبارة عن مستودعات للأموال لا تمت للقرار الاقتصادي بصلة، حتى إن بعض المدراء الذين شغلوا مناصب هامة في المصارف لم يكن لديهم معرفة في الأمور المالية أو خلفية أكاديمية ذات صلة بالعمل المصرفي، بل تم تعيينهم من خلال الواسطة، ذلك فضلاً عن كثير من الموظفين غير الكفوئين، وعلى هذا النحو، لعبت المصارف عموماً دوراً سيئاً في التنمية نتيجة توجهها نحو الإقراض الاستهلاكي غير التنموي الاستثماري للمشاريع والأفكار الجديدة".

لم تفكر باسمة بترك العمل الحكومي رغم أن رواتب القطاع العام تعتبر ضعيفة مقارنة بالقطاع الخاص، تقول في ذلك، "كان القطاع الخاص في سوريا وما زال غير ناضج ولا يمكن الاعتماد عليه لضمان المستقبل، وليس فيه استقرار وظيفي على المدى البعيد كوظيفة الدولة".