جمانة خموسية

احد مقابلات حزمة: سِيَر سورية,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: لبنان
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

"علمتني تجاربي وانتقالي للعيش في عدة بلدان أن أفهم الحياة بشكل أفضل، وأن أتأقلم مع كل الناس والمجتمعات على اختلاف أشكالها".

عاشت جمانة خموسية سنواتها الخمس الأولى في مدينة بيروت. فهي بنت لأم فلسطينية لبنانية وأب سوري من مدينة حماة. كان والدها يعمل في بيروت حيث تعرّف على والدتها ثم تزوجها.

عندما بلغت جمانة الخامسة من عمرها انتقلت برفقة والديها الى سوريا لفترة قبل أن يسافروا الى ليبيا لمدة سنة تقريباً بسبب ظروف عمل الأب، ثم عادوا للاستقرار مرة أخرى في مدينة حماة.

تقول جمانة إن التنقلات الكثيرة خلال مراحل حياتها الأولى أثرت عليها بشكل سلبي، حيث لم تكن تشعر بالاستقرار، كما أنها فقدت الثقة بوالدها الذي كان هو من يتخذ قرار الانتقال فجأة دون أخذ التأثيرات التي يمكن أن تترتب على حياتهم بالحسبان.

بقيت جمانة في مدينة حماة الى أن بلغت تسعة عشر عاماً، وفي تلك الفترة حصلت على الشهادة الثانوية الفنية، ثم تقدمت الى كلية الفنون الجميلة في دمشق وتم قبولها، ولكنها لم تدخلها بسبب كثرة مصاريف الدراسة فيها، حيث كان الوضع المادي للعائلة لا يسمح بذلك.

حاولت جمانة أن تعمل لتعيل نفسها وتوفر مصاريف الدراسة في الجامعة. وأثناء ذلك قدمت امتحان الشهادة الثانوية مرة أخرى ولكن في الفرع الأدبي، وحصلت على الشهادة وتقدمت الى كلية إدارة الأعمال في حلب وتم قبولها، لكنها لم تستطع أيضاً المتابعة بسبب انتقالها الى مدينة بيروت.

تقول جمانة، "كنت أجتهد وأحاول تطوير نفسي رغم أن الظروف كانت سيئة، كان أبي لا يبالي بمستقبلنا أو تفاصيل حياتنا، في حين كانت أمي هي التي تحاول مساعدتنا ودعمنا لنكون أفضل".

لم يكن نمط الحياة للمجتمع المحافظ في مدينة حماة يتناسب مع طريقة التربية التي تلقتها جمانة من والدتها القادمة من مدينة بيروت الأكثر انفتاحاً.

تقول جمانة، "كان مجتمع مدينة حماة مجتمعاً منغلقاً ذا طابع محافظ، فالفتاة التي لا ترتدي الحجاب تُعتبر فتاة غير مؤدبة، ولا يُسمح لها أن تخرج من المنزل بمفردها، ولا يتم تشجيعها على متابعة الدراسة أو دخول الجامعة، بل يفضل لها أن تتزوج باكراً وتتفرغّ لأسرتها".

تتابع القول، "كان أهل أبي يميّزوننا عنهم ويعتبروننا مختلفين بسبب طريقة تربيتنا التي لم تكن تعجبهم، لم نكن نشبههم في نمط التفكير والحياة ولم نكن على علاقة قوية معهم، على عكس أهل أمي الذين كانوا يحاولون دائما دعمنا ومساعدتنا".

تذكر جمانة أنه كان لديها أصدقاء شباب يأتون لزيارتها في المنزل، وكانت والدتها تعرفهم وترحب بهم. كان ذلك غريب جداً وغير مقبول لدى المجتمع الحموي المحافظ.

عندما بلغت جمانة التاسعة عشرة، تم الانفصال بين والديها إثر زواج أبيها من إحدى صديقاتها المقربات. اعتبرت جمانة أن والدها خانها وخان والدتها في الوقت ذاته، ونتيجة لذلك حرّضت أمها على ترك البيت والانتقال الى بيت جدها في بيروت.

أثّرت تلك الحادثة كثيراً على جمانة، وقطعت التواصل مع والدها لسنوات عدة، حتى إنها ترددت لفترة على طبيب نفسي بسبب حالة الكآبة التي كانت تعاني منها كلما تذكرت تلك الحادثة.

تقول جمانة، "عند وصولنا الى بيروت واجهنا أوضاعاً صعبة للغاية، لم نكن نملك النقود الكافية، حتى اننا لم نجلب معنا حاجياتنا من حماة".

في تلك الفترة تقدم شاب لبناني لخطبة جمانة فوافقت على الزواج لتخفيف الحمل عن والدتها. بقيت حوالي عامين في بيروت ورزقت بطفلة قبل أن تنتقل للإقامة في السعودية حيث كان زوجها يعمل.

عاشت جمانة لعدة سنوات في السعودية دون دراسة أو عمل أو أي نشاط آخر تقوم به.

تقول في ذلك، "السعودية بلد منغلق ومحافظ خصوصاً بالنسبة للنساء. أثرت تلك الفترة سلباً على نفسيتي، حتى إني توفقت عن ممارسة أي نشاط كالرسم الذي أحبه منذ الطفولة، كانت حياتي بلا أي طعم أو قيمة".

بعد مرور ثمان سنوات، وبعد أن أنجبت طفلها الثالث، أدركت جمانة أن عليها تغيير نمط حياتها، حيث شعرت أن مهمتا الوحيدة باتت تنحصر في إنجاب الأطفال وتربيتهم، فقررت أن تعود برفقة أطفالها الثلاثة الى بيت زوجها في بيروت.

تقول في ذلك، "بدأتُ بترتيب أمور البيت واحتياجاته، وسجلتُ الأطفال في المدرسة، ثم تعرفت على جمعية غير حكومية عن طريق بعض الأصدقاء وبدأت العمل فيها، حينها فقط شعرت بقيمة وجودي في الحياة لأول مرة منذ عشر سنوات. بدأتُ بتكوين صداقات وعلاقات اجتماعية جديدة، ثم حققت حلمي القديم بالالتحاق مجدداً بالجامعة".

تقول جمانة إن أهم مراحل حياتها كانت عندما قررت مغادرة السعودية وإعادة بناء مستقبلها على الصعيد الدراسي والمهني والاجتماعي، ساهمت تلك الفترة بتقوية شخصيتها واعتمادها على قدراتها الذاتية ومواجهة تحديات الحياة دون مساعدة أحد.

"علمتني تجاربي الشخصية وانتقالي للعيش في عدة بلدان أن أفهم الحياة بشكل أفضل وأتأقلم مع كل الناس والمجتمعات على اختلاف أشكالها".