جميلة فلاق

احد مقابلات حزمة: ٤٢ عاماً من القمع,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: مكاتب وزارة التعليم في بنغازي
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

"تعرّضتُ إلى ضربٍ مبرحٍ محا معالم وجهي حتى اسودّ ولم يبقَ منه سوى عينَيّ"

ما الفرق بين الإيطاليين والقذافي؟ طرحت جميلة محمد فلاق هذا السؤال على والدها عام 1977، بعد أن شنق القذافي طلاباً في مدينتها بنغازي وكانت آنذاك في عمر المراهقة. تقول جميلة “ كان جيلي واعياً، فقد نشأنا ونحن نشاهد الطلاب يُعدمون ورجال الأعمال يُحرمون من أموالهم”.

لم يمنع هذا الرعب جميلة من أن تصبح ناشطة في العام 1981 حين توجّهت لدراسة الاقتصاد في جامعة قار يونس التي تعرف الآن باسم جامعة بنغازي. نجت جميلة من التعذيب والسجن ومن محاولتي انتحار، وهي الآن تشغل منصب نائب وزير الثقافة للنساء والأطفال.

كان القذافي قد أسّس قبل عامين من تسجيل الفلاق في الجامعة ما سمي باللجان الثورية، وهي مجموعات موالية له تراقب وتسيطر على الشعب الليبي وتبعث فيه الخوف، تمّ تأسيسها لمواجهة حركة الطلاب التي بدأت في السبعينيات. وكان على جميلة وزميلتيها صوفيا بو دجاجة وسارة الشافعي أن يتوخينَ الحذر في أنشطتهن المناهضة للقذافي.

في ربيع 1982، لم تقد المنشورات التي وزّعنها إلى تظاهرات كما كنَّ يأملن، وقد قمن بدهن جدران المدرج في مباني كلية الاقتصاد بشعارات من أغانٍ وطنية شهيرة طالبت بسقوط النظام.

سارعت اللجنة الثورية لدهن تلك الشعارات، ومن جديد عادت جميلة برفقة صديقتيها لكتابتها مجدّداً، إلى أن تمّ إلقاء القبض عيلهن واحتجازهن لمدّة ستة أيام في مركز أبحاث الكلية. تقول عن ذلك “أجلسوني على كرسي في خزانة ضيّقة وعذّبوني، تعرّضتُ إلى ضربٍ مبرح محا معالم وجهي حتى اسودّ ولم يبقَ منه سوى عينَيّ “.

حاولتْ جميلة الانتحار للمرة الأولى في مركز الأبحاث لكنها نجتْ، وتم بعد ذلك نقلها مع زميلتيها  إلى سجن آخر، وقال الموظفون هناك (في مركز  الأبحاث) إن جميلة وزميلتيها كنَّ يتبادلن الحديث حول ذكريات مروعة لنساء أخريات قضين ستة أيام معهن في الاستجواب. نُقلت السجينات الثلاث إلى مبنى طلابٍ خالٍ أثناء العطلة الصيفية، وتم فصلهن عن بعضهن البعض، استمر ضربهن بشدة في غرفة الاستجواب، وهي غرفة في الطابق الرابع من المبنى.

لجأتْ جميلة إلى الإضراب عن الطعام وإلى قطع رسغها، لكنها كانت لم تشهد بعد أسوأ يوم في حياتها. تقول جميلة “اقتادونا يوم 26 رمضان إلى كتيبة الفضيل حيث عذّبني رجال اللجنة الثورية ومن ضمنهم أحمد مصباح الورفلي بحضور رجال من الحكومة، تلفّظ حسن إشكال بأسوأ الأشياء التي يمكن لفتاة في عمري أن تسمعها، حدث ذلك بوجود عبد الله السنوسي وعثمان الوزري ووزير العدل مفتاح بوكر وغيرهم، ضربني الورفلي وغيره على قدميّ المربوطتين بعصا مصنوعة من النخيل إلى أن فقدتُ الوعي، وحين وقفت كانت قدماي متورمتين إلى درجة منعتاني من ارتداء حذائي، وبينما كنت أهمّ للخروج من الغرفة وحذائي أسفل ذراعي، رأيت جندياً يبكي في الممر، كان على ما يبدو قد سمع صراخي وتوسّلاتي”.

في اليوم التالي، وفيما كان جسدها لا يزال يعاني من الألم وقدماها متورمتين، قامت حارسات من اللجنة الثورية في سكن الطلاب بتعذيبها أكثر وإهانة والدها. تمّ نقل جميلة أخيرًا إلى سجن الحصان الأسود في طرابلس حيث بقيتْ وحدها في زنزانة لا تتجاوز  مساحتها 180 ×  180  سم. تقول جميلة “ تمّ تصميم الزنزانة كي تسبّب الكثير من الإزعاج وتبثّ الخوف، و كنت أسمع الرجال يصرخون من الألم”.

في نهاية شهر سبتمبر، أُحضر والداها لاصطحابها إلى المنزل وعلمت أنه تمّ تعذيب ناجي بو حوية وأحمد مخلوف حتى الموت لتورّطهما ظلماً. تقول جميلة “كانت سارة قد أعطتهم أسماء عدد من الناس خلال أيام التحقيق الصعبة، إذ كان النظام مقتنعاً أنه لا يمكن لثلاث نساء أن يعملن بمفردهن وأرادوا أسماء من هم في الحركة، فقامت سارة بذكر أسماء عشوائية بسبب الخوف والألم واليأس، وقام أولئك الأشخاص بذكر أسماء عشوائية أيضاً“.

ألقي القبض على النساء الثلاث مرّة أخرى عام 1983، وقضين شهرين في السجن قبل أن يجبرن على مواجهة مئة رجل . تقول “لقد تمّ إحضار الرجال وسجنهم على مدى شهور، بسبب ادعاءات كاذبة من أشخاص تمّ إجبارهم على الإدلاء بأسماء. كنت أشعر بالندم الشديد لكن في الوقت نفسه كان ضميري مرتاحاً، أردت أن أخدم ليبيا ولم أذكر أولئك الرجال يوماً، شعرت بالفخر وبراحة الضمير“.

بعد إطلاق سراحهن في شهر مارس، تمّت خطبة جميلة. تقول “اعتقدتُ أن خطبتي لن تدوم بعد اعتقالي أنا وصوفيا مجدداً في 6 أبريل، وفي اليوم التالي، أي في ذكرى أحداث1977  لشنق المعلمَين عمر دبوب ومحمد بن سعود، اقتادونا إلى مدرج الكلية حيث قامت اللجنة الثورية بمحاكمتنا. كانوا يصرخون “إعدام، إعدام، شنق، شنق” ففقدت السيطرة على قدمَي.”

أخذت قوات الأمن الداخلي النساء بعيداً وأطلقت سراحهن بعد ستة أيام، لقد كان هناك صراع متواصل بين الحرس الثوري وقوات الأمن الداخلي الذي أنقذ جميلة في ذلك اليوم. وفي أبريل من العام 1984، تمكّنت اللجنة الثورية من إعدام الطلاب علناً في الجامعة.

بحلول مايو 1984، تزوجت جميلة ورزقت بطفل، كان في شهره الرابع حين اصطحبته معها وألقي القبض عليها مجدّداً إثر إغارة الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا على باب العزيزية، وقد جرى اعتقال ستة من إخوتها وكان أصغرهم في الرابعة عشرة من العمر، كما تمّ اعتقال عمّها وتم احتجازهم في زنزانات منفصلة مدة عشرة أيام، ثم أطلق سراح جميلة وعشرة من إخوتها، أما الإثنان المتبقيان فتمّ تعذيبهما في سجن أبو سليم لمدّة أربع سنوات .

تقول جميلة “دفعتْ الأُسَر ثمناً باهظاً في ظلّ حكم القذافي، لكنني أشعر بالفخر لأنني فعلت شيئاً، فالحرية ثمنها باهظ دائماً“.