تحدثنا الآنسة حنين، وهي سورية من حمص، تقيم حالياً في مدينة دمشق، عن هويتها السورية فتقول:
سؤال الهوية هو سؤال إشكالي وليس سهلاً في الحقيقة، لأنه نتيجة لطريقة الحياة التي عشناها كان لكل شخص عدة مستويات من الهوية، فأنا عندما أحاول أن أتلمس هويتي أجد لها ثلاثة أبعاد: أولها الهوية الوطنية، التي انفجرت عام 2011، ووجدنا أنه من الضروري أن نفكر بها، والتي هي أصلاً مشتتة، وزاد تشتتها في السنوات العشر السابقة. ثم هناك هوية أنا أصنعها أو أكتسبها أو أختارها، هذه الهوية تتعلق بشخصيتي، فعندما أكون علماني متحرر أختار الطريقة التي أريد العيش بها، والمبادئ والقيم التي سأحملها، أو الخصائص التي أريد أن أعكسها على هويتي التي هي من اختياري. ويوجد نوع ثالث تلك هي الهوية الأولية التي أخذتها من أهلي ومن مجتمعي ومن مدينتي ومن طائفتي ومن ديانتي ومن مدرستي ومن ذاكرتي. هذه الهويات الثلاث لو كنا بمكان غير سوريا ربما كانوا منسجمين أكثر، لكن نحن حقيقة عندنا اليوم إشكالية بتلمُّس أي واحدة، والسؤال الجدي الآن: هل هذه الأبعاد للهوية تتوافق مع بعضها؟ أم يجب أن تبقى متصارعة؟
وعن العلاقة بين الصراع وهويتها السورية تقول الآنسة حنين:
كنت أظن أن لدي اطلاع على التنوع السوري والهويات السورية، والتي لها علاقة بالطائفة والدين والمجتمع، ولكن الذي حدث بعد سنة 2011 أسميه انفجار هويات كانت مكبوتة عندنا كسوريين، هذا الصدام بين هذه الهويات الضيقة حدث لأننا لم نستطع أن نفهم علاقتها بالهوية الوطنية، أو كيف يمكن أن تتعايش مع بعضها، فكانت تشكل أزمة لي وللكثيرين من أبناء جيلي، كان هناك انقسام حاد وتشنج باختبار انتمائك للهويات الضيقة، وكنت مجبر ان تربط هويتك الوطنية بهويتك الضيقة. وما أريد قوله: أن علاقة الصراع بشكل مباشر مع هويتي السورية جعلتني أختبر هوياتي التي ما تحت الوطنية، كما اختبرت هويات الآخرين، فشعرت أني أملك عدة مستويات: امتلك هوية ريفية، امتلك هوية مدنية، امتلك هوية طائفية.
ثم تتحدث الآنسة حنين عن العلاقة بين نتيجة مختلفة للصراع والتأثير على هويتها فتقول:
كان أثر الصراع على الهوية حاسماً، ولو حدث انتقال سلمي بالتأكيد كانت النتائج ستختلف، الصراع أدى لاحتكاك هوياتنا بطريقة خشنة، فكشفها بطريقة قاسية، لأن السوريين بعد تشكل الدولة الوطنية في الأربعينيات لم تعط لهم فرصة لوعي ذاتهم، والسوريين الذين وجدوا بهذه الجغرافيا أصلاً لم يتح لهم ان يتلمسوا هوياتهم، فهذه الحرب كانت كاشفة بطريقة صادمة لهم، وما هو أعمق من ذلك أننا كسوريين أجبرنا أن نصطف سياسياً على أساس الهويات، كنا نُختبَر كل يوم وطنياً على أساس الهويات، كانت أطراف الصراع تلعب على الانتماءات الهوياتية بطريقة عميقة لتأجيج الصراع، ولزج السوريين بصفوف متواجهة على أساس الهويات. السوريون الذين هاجروا شاهدوا الخسارات المشتركة فهم الآن يستطيعون النظر بهدوء أكثر لهذه الهويات.
وعن أثر الطقوس والتقاليد على الهوية السورية تقول الآنسة حنين:
هناك كثير من الطقوس وأهم طقس أعيشه ويجعلني أشعر بأني سورية، هو أني لا أزال داخل البلد ولم أخرج بعد. وشيء آخر هو أني لا أزال متمسكة بالرجوع لضيعتي مع أبي، لأذهب معه إلى أرضنا ونزرعها ونعمل بها، نحن نزرع الفستق الحلبي هناك، هذا الطقس يعني لي أن أذهب كل سنة لجمع موسم الفستق. وأيضاً هناك الطعام السوري، فأنا أحب عندما أزور جدتي أو أكون عند أمي أن يعدوا لي الطعام السوري: البرغل بالحمص، اليبرق، الهريسة، المقلوبة، الملوخية، وأهم شيء العَرق البلدي المثلث، أنا كثيراً ما سافرت لكن العرق المثلث البلدي أنا لا أشربه إلا بسوريا. أيضاً اللهجة السورية، ولفظ حرف القاف لهجة سورية أحبها، فأهل قريتي هم جزء من هويتي. هذه هي هويتي السورية.
في الختام الآنسة حنين أحمد تصف هويتها باختصار فتقول:
هويتي السورية هي ما تركه لي جدي وهي الأرض، وما تركه لي والدي وهي القيم، وما أعطيته لنفسي وهو الانفتاح والعلمانية.