ولد رامي العساف عام 1977 في مدينة دير الزور شرقي سوريا، ولكنه نشأ في مدينة الطبقة بمحافظة الرقة، وهي مدينة عمّالية سكانها قادمون من مختلف المحافظات السورية، وتم إنشاؤها أساساً لموظفي سد الفرات ومحطة توليد الكهرباء.
انتقل رامي الى دمشق لدراسة الحقوق، وتخرّج من جامعة دمشق عام 2002، ثم التحق بالخدمة العسكرية الإلزامية التي أمضاها في لبنان، ليعود بعدها الى دير الزور لممارسة مهنة المحاماة.
أَحبّ رامي المحاماة مذ كان في مقاعد الدراسة الجامعية، حيث كان يرى أنها مهنة مستقلة ومناسبة للعمل في سوريا، وخاصة أن عائلته الكبيرة تضمّ 17 محامياً سبقوه للعمل في هذا المجال.
يقول رامي، "تخرجتُ عام 2002 مع مجموعة من الأصدقاء والزملاء من دير الزور، كنا حوالي 50 محامياً متحمسين للعمل القانوني، نسبة قليلة منّا توجهت للتطوع في سلك الشرطة أو العمل في القضاء، فيما مارس الآخرون مهنة المحاماة".
ويتابع القول، "كان ثمة نديّة ومنافسة بيننا في العمل وسرعة إنجاز الدعاوى، وكان في مدينتنا حينها نحو 20 محامياً معروفين منذ 20 سنة، تغير ذلك الوضع عندما دخلنا سوق العمل كمجموعة كبيرة من المحامين الشباب من عائلات معروفة".
حاول رامي خلال مسيرته المهنية أن يختص بمجالات محددة في القانون، وأن يبتعد عن المرافعة في قضايا معينة أيضاً، يقول في ذلك، "لم أكن أستلم دعاوى في القضاء العسكري أو أمن الدولة أو حتى قضايا تخص الملكيات والنزاع على الأراضي، في الحقيقة، لم أكن مستعداً للمرافعة أمام شخص لم يدرس القضاء، فمن المعروف أن القاضي العقاري هو مجرد موظف من المكتب العقاري وصل الى مرتبة قاضٍ دون الدراسة في المعهد القضائي أو حتى في كليات الحقوق".
ويتابع القول، "القضاء في سوريا هو قضاء مؤدلج بالمطلق، حيث بات منذ ثمانينيات القرن الماضي تحت سيطرة حزب البعث الحاكم، كان تعيين القضاة يتم من خلال وزارة العدل التي تتبع لمجلس القضاء الأعلى والذي يرأسه رئيس الجمهورية مباشرة، ولذلك ليس هناك فصل للسلطات، فرئيس الدولة هو من يُعيّن الحكومة وهو الأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي قائد الدولة، وهو من يرأس السلطة القضائية من خلال رئاسته لمجلس القضاء الأعلى، وبذلك يستطيع طرد أي قاض في أي وقت، كما جرى عام 2006 حين صدر مرسوم رئاسي يقضي بعزل نحو 90 قاضٍ دفعة واحدة".
كانت الأجهزة الأمنية تتدخل في مختلف مفاصل الحياة في سوريا، في المؤسسات الحكومية الصغيرة والكبيرة مثل التربية والتعليم، يقول رامي، "في إحدى السنوات، طلبوا تعيين ألف مدرس في دير الزور، فتم إرسال 930 معلماً ومعلمة من الساحل السوري، فيما تم تعيين 70 مدرساً فقط من أبناء دير الزور الذين كان يتجه معظمهم للعمل في دول الخليج بعد التخرج من الجامعة بسبب قلة فرص العمل".
يرى رامي أن طبيعة دير الزور تختلف عن بقية المحافظات وبالتالي فمحكمتها مختلفة ببعض الأمور عن نظيراتها في باقي المناطق، فقد كانت أقل فساداً من غيرها، يقول، "ربما لأننا في مدينة مغلقة يعرف سكانها بعضهم البعض وتربطهم صلات قرابة ومصاهرات، وحتى الريف يتميز أيضاً بمجتمع عشائري، لذا كان من المعيب على القاضي معروف النسب والعشيرة أن يرتشي".
ويتابع القول، "كان ثمة نوع من المحسوبيات والواسطة، لكنها ليست بدافع قبض الرشوة، وغالباً ما تتم المساعدة بسبب العلاقات الشخصية والمعارف، مع وجود عدد قليل جداً من القضاة الفاسدين".
في النزاعات التي تنشب بين أبناء العشائر، يتم التوصل عادة الى صيغة توافقية بين القانون والعرف العشائري، ففي السابق، كانت العشائر تلجأ الى قضاة من وجهاء المجتمع، وكان القاضي أو الحكم يسمى "العارفة"، ولكن مع تطور الحياة والمجتمع وقوة أجهزة ومؤسسات الدولة، اقتصر اللجوء الى قضاء الدولة القانوني، أما في حال شعرت العشيرة بظلم ما من القضاء أو عدم أخذ العدالة مجراها بشكل يرضي الجميع، فربما تلجأ الى أمور لا تُحمد عقباها، وخصوصاً في قضايا القتل التي تؤدي الى الأخذ بالثأر.
يقول رامي، "في دير الزور تم تهجين العشائر كما هجّن النظام الحاكم كل شيء في البلاد، من النقابات العمالية والمهنية والمنظمات وغيرها، ومن خلال أساليب كثيرة، فمثلاً حين يكون شيخ العشيرة شخصاً معارضاً، كنا نتفاجأ دائماً باستلام المشيخة من قبل أحد أفراد العشيرة المقربين للجهات الأمنية، في الحقيقة، فقدت العشائر قوتها منذ السبعينيات، حين صار النظام يمكّن العشائر الكبيرة من تمثيل نفسها في مجلس الشعب فقط، فيما يعطي المناصب التنفيذية الهامة لأبناء العشائر الصغيرة".