أنا سارة أحمر من سوريا، عمري 30 سنة، حالياً مقيمة في ألمانيا. لقد كنت مثل كثير من شباب وصبايا سوريا الذين تركوا بلدهم خلال الحرب بحثاً عن مستقبل أفضل، جئت إلى ألمانيا منذ سنة تقريباً، بهدف استكمال الدراسات العليا في مجال الإعلام. في البداية وجدت أن للناس أفكار عديدة عن المجتمع الألماني: سلبية وإيجابية، منهم من يراه مجتمع عنصري متعجرف، لا يقبل الغريب، ومنهم يراه عكس ذلك، وأن هناك ألمان يمدون يد المساعدة في عملية الاندماج. أنا سمعت كلا الرأيين، لكنني أحببت أن تكون لي تجربتي الشخصية بهذا المجال.
عندما وصلت كنت أقيم عند صديقتي السورية، عشت عندها لمدة شهرين، ساعدتني أن أستلم مفاتيح التعامل مع المجتمع الألماني، في كثير من المواضيع التي أهمها احترام المواعيد، الالتزام بالنظام، التقيد بالإرشادات وغيرها من الأمور. إضافة إلى تعريفي على العادات والتقاليد الموجودة في ألمانيا، واستعانت بالإنترنت لتطلعني على هذه المواضيع.
بعد شهرين وجدت أنه من الضروري أن أبدأ بتكون تجربتي الشخصية، فاستأجرت شقة خاصة بي خلال فترة دراسة اللغة الألمانية، الأعراف الموجودة هنا بموضوع أجار الشقق، أنه يجب عليك التواصل مع صاحب الشقة، وتأخذ منه موعداً حتى يراك بشكل شخصي، ودائماً موضوع تأجير البيوت مشروط بالتعامل الشخصي، ثم يحكم إذا كان يريد تأجيرك البيت أمّ لا، هذه القصة يلحقها الكثير من الأحكام العنصرية، هم ربما يكون لديهم رؤية أو نظرة معينة لمجتمعاتنا أو عاداتنا وتقاليدنا. المهم تواصلت مع صاحب المنزل وقلت له: أريد أن أرى الشقة، بالفعل جئت ورأيت الشقة وأعجبتني وأخبرته بموافقتي، فأخبرني بمعنى ما أنه ارتاح لي ولديه رغبة بتأجير الشقة لي، وركز على فكرة كوني بنت عربية فأنا من عاداتي وتقاليدي ألا أسمح لأشخاص غرباء يدخلون إلى الشقة، وهذا الشيء كان يشعره بالراحة. وبعد أن وقعنا العقد، والاجراءات القانونية بدأ نقل الفرش، وهذا الأمر مكلف كثيراً، نقل الأشياء الثقيلة يحتاج سيارة، بينما الأشياء الشخصية ممكن أن ينقلها الشخص بنفسه حتى لا يتكلف كثيراً، وكوني طالبة قررت أن أنقل الأغراض البسيطة بنفسي، وهذا ما حدث فعلاً.
عندما كنت أدخل إلى المبنى كنت ألتقي ببعض الجيران على الدرج، وينظرون لي دائماً بطريقة غريبة أو ربما لا أعجبهم، فثمة ساكن جديد وهو غريب عن البلد، طبعاً كنت أنقل أغراضي الشخصية بنفسي ويروني أتعب بالحمل أو بحاجة لمساعدة ولا يفعلون. ومرت الأيام وبقي الوضع كما هو عليه، كنت أرى الجار دون أن يسلم عليّ، فشعرت حينها باختلاف المجتمع.
من المؤكد أن وباء "كورونا" أثاره سيئة صحياً، ولكن على الصعيد الاجتماعي بشكل ما، وجدت أنه يقرب الناس من بعضها، لأننا كلنا ملزمين بالبقاء في بيوتنا، وأثناء الحجر الصحي صادفت الأعياد المسيحية، وأنا كنت أحتفل بعيد الفصح مثل باقي الألمان، وبما أنه لا يوجد مظاهر للاحتفال أو مهرجانات ولا يوجد صلوات أو أي أشياء يتشارك الناس فيها هذه اللحظات، قررت أن أشارك الآخرين بشيء، لأكسر الحاجز الذي وجد بيني وبينهم كوني غريبة عن المكان، فحاولت أن أقوم بمبادرة صغيرة. ذهبت إلى السوبر ماركت واشتريت كيس كبير من الشوكولاتة، وكان لدي طابعة وبعض الأوراق فكتبت رسائل صغيرة بالألمانية مفادها: "كورونا" فرض علينا أوقاتاً ليست لطيفة، ولكن مع ذلك يمكن أن نتشارك بعض الأمور الحلوة مع بعضنا، وطبعاً مع كلمات المعايدة المعتادة، ووضعت مع كل رسالة كيس فيه بعض الشوكولا.
ترددت بداية كيف يمكن أن أسلم هذه الرسائل، وقررت أن أبتعد عن التواصل الشخصي أو المباشر فلجأت إلى صندوق البريد، والذي يعد هنا وسيلة متداولة كثيراً، فوضعت الرسائل مع الشوكولا لكل الجيران الموجودين في البناء، في ثمانية صناديق بريد، ثم انتظرت أن يكون هناك رد فعل، كما توقعت ألا يكون هناك رد فعل أيضاً. في اليوم التالي استيقظت صباحاً لأتفقد صندوق البريد الخاص بي، فوجدت على الباب رسالة شكر معها هدية، ولما صعدت نحو الشقة جاءت إحدى الجارات وأحضرت معها صحن حلويات ألمانية خاصة بفترة عيد الفصح. ومن لم يرد المبادرة بمبادرة مشابهة، كتب لي شيئاً وتركه في بريدي، وثمة أشخاص لم يفعلوا شيئاً لكنهم عندما صاروا يلتقون بي على الدرج كانوا يشكروني، وأصبحوا يرحبون بي كشخص جديد موجود بينهم.
القصة بالعموم ربما بسيطة، لكنها بالنسبة لي كسرت حاجز المجتمع الجديد، وأصبحت بعد هذا أرى أن المبادرة اللطيفة أو كما يقولون الكلمة الحلوة هي التي تجعل الإنسان يشعر بالانتماء في أي مكان وجد فيه، يعني دائماً ممكن للإنسان أن يمد جسور تواصل من خلال مبادرات بسيطة للغاية، ويستطيع أن يقدم ثقافته بشكل لطيف، وأيضاً يأخذ من ثقافة الآخرين الشيء الذي يحبه، وبهذه الطريقة يمكن للشخص أن يحقق الاندماج، وممكن لهذا الاختلاف الثقافي أن يتلاشى بمبادرات بسيطة من هذا النوع.
أنا سارة أحمر وهذه كانت قصتي.