ولدت سميرة البهو عام 1947 لأسرة حلبية متوسطة الدخل، وتلقت كل التشجيع من والديها لمتابعة الدراسة رغم كونهما أميَين، فدرست في دار المعلمات ثم عملت في التدريس لنحو عشر سنوات في منطقة بستان الباشا ذات الأغلبية الكردية في مدينة حلب.
تقول سميرة، "كان مستوى الطلاب الدراسي جيداً وكانت القوانين المتعلقة بمنظومة التعليم جيدة أيضاً، ولكن المشكلة كانت في متابعة تطبيق تلك القوانين بشكل صحيح، فرغم أن التعليم كان إلزامياً للمرحلة الابتدائية، ثم صار إلزامياً للمرحلة الإعدادية، كان كثير من أولياء الطلاب يمنعون أبناءهم من متابعة دراستهم إما لأسباب اقتصادية أو اجتماعية كالزواج المبكر للطالبات".
وتتابع القول، "كان القانون ينص على معاقبة الأب الذي لا يلزم أولاده بالدراسة بالسجن، ولكن ذلك لم يطبق على أرض الواقع، ولو تم ذلك، لاختفت ظاهرة التسرب من المدارس التي كانت منتشرة على نحو واسع وخاصة في الأرياف".
لم يكن ثمة تمييز بين الإناث والذكور في فرص التعليم، وكانت أعداد الطلاب والطالبات متساوية تقريباً، وبالنسبة للمدارس، كانت مختلطة تضم الذكور والإناث في المرحلة الابتدائية، أما في المراحل الإعدادية والثانوية فتخصص مدارس للطلاب وأخرى للطالبات.
في عام 1966، كانت سميرة طالبة في دار المعلمات، حين بدأ اعتماد اللباس العسكري لطلاب وطالبات المرحلتين الإعدادية والثانوية، تقول إن ذلك كان نوعاً من التقليد أو الاقتداء بالدول الاشتراكية كالاتحاد السوفيتي.
درست سميرة الأدب العربي في جامعة حلب خلال فترة عملها في التعليم، وبدأت عام 1970 بتدريس مادة اللغة العربية لطلاب المرحلة الثانوية. تقول في ذلك، "من أكثر الصعوبات التي كانت تواجه المدرسين، كثرة أعداد الطلاب في الصفوف الدراسية، والذين يصل عددهم في الصف الواحد أحياناً الى أكثر من 50 طالباً، كانت المناهج التعليمية جيدة ولكنها عانت من الحشو الزائد في المعلومات والأسئلة، يضاف الى ذلك قلة عدد المدرسين في الأحياء الفقيرة أو في المناطق البعيدة، فكثيراً ما نجد معلماً في إحدى القرى يُدرّس جميع المواد للطلاب من لغة وتاريخ وجغرافية وغيرها".
كان راتب المعلم بداية السبعينات يبلغ نحو 220 ليرة سورية، وكان يعتبر جيداً، ثم بدأت الأسعار بالازدياد ولكن زيادات الرواتب لم تضاهي النمو في الأسعار، ما أدى الى تردي الأوضاع المعيشية للمعلمين. تقول سميرة، "في إحدى المرات وفي آخر أيام الشهر، كنت وزوجي نريد الذهاب الى المدرسة لقبض الراتب، ولكننا لم نكن نملك سعر تذكرة الحافلة، فأخذتُ من أختي خمس ليرات أجرة الطريق، كان راتب المدرس لا يتناسب مع الجهد أو القيمة المعنوية للعمل الذي يقوم به".
من نتائج ضعف رواتب المدرسين، عدم اهتمام قسم كبير منهم بعملهم بسبب الشعور بالغبن، ما أدى بالتالي الى ضعف عند الطلاب المتلقين فانتشرت ظاهرة إعطاء الدروس الخاصة.
وعن الوضع التعليمي للبنات في المجتمع الحلبي تقول سميرة، "حلب مدينة صناعية كبيرة ذات نسيج اجتماعي متنوع، ومن الطبيعي أن يتم تشجيع البنات على العلم، وهو أمر غير منتشر في الأرياف، حيث لا يتم تشجيع الإناث هناك على متابعة الدراسة في أغلب الأحيان".
عملت سميرة 30 عاماً في التدريس، وتقاعدت عام 2005، ولكنها تابعت نشاطاتها النسوية والثقافية. تقول في ذلك، "كنت من أعضاء منظمة اجتماعية نسوية تدعى رابطة النساء السوريات، وهي تُعنى بنشر الوعي الاجتماعي والتعليمي وما الى ذلك، كنا نقوم بأنشطة للنساء في بعض الأحياء الفقيرة والمهمشة، ونحاول دائماً احترام عادات أو ثقافة المكان الذي نتوجه إليه، في إحدى المرات، ذهبت برفقة زميلتي المسيحية الى حي باب النيرب للقيام بنشاط معيّن يخص الرابطة، فارتدينا غطاء الرأس احتراماً لخصوصية المجتمع المحافظ في الحي".
كانت الرابطة مرخصة للعمل مثل عام 1948 ولكنها أُغلقت نتيجة القرارات التي اتخذت في زمن الوحدة مع مصر عام 1958 والتي قضت بإغلاق جميع الأحزاب والمنظمات والجمعيات الأهلية، وفي العام 2000 حاولت ناشطات الرابطة الحصول على ترخيص عمل مرة أخرى، ولكن الجهات المختصة لم تكن تمنح التراخيص إلا للجمعيات الخيرية فقط.
تقول سميرة إن عمل الرابطة وأنشطتها المتنوعة لم تكن تتم بسهولة، بسبب سرية النشاطات أو التجمعات لعدم وجود ترخيص للعمل، ولكن ذلك بدأ بالتغير منذ التسعينيات حيث باتت الأمور تتم بمرونة أكثر من السابق، والأنشطة تتم بشكل علني ولكن بعد أخذ العلم من قبل الدولة بطبيعة النشاط المراد ترتيبه.
ترى سميرة أنه كان ثمة تنافس في المجتمع الحلبي بين جماعات أو جهات دينية ذات توجه متشدد وبين ناشطين مدنيين يدعون الى مبادىء معاكسة مثل حرية المرأة وتحررها وتعليمها وما الى ذلك. تقول، "كثير من النساء كنّ يتوجسن أحياناً حول ماهية عملنا أو نشاطنا المدني ولكن هذا الوضع تغير تدريجياً مع مرور الوقت وتطور المجتمع".