صبرية عبطيني

احد مقابلات حزمة: سِيَر سورية,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: تركيا
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

"كانت بعض العائلات تفرض الزواج على البنت، وخاصة إذا كان الخاطب ابن عمها"

عايشت صبرية عبطيني التمييز بين الرجل والمرأة منذ نعومة أظفارها، ففي يوم ولادتها عام 1953 غضبت جدتها لأن المولودة لم تكن ذكراً، وغادرت البيت مستاءة حتى لحقت بها إحدى النساء لتخبرها أن هناك صبياً توأماً ولد بعد البنت، فسعدت بالخبر وعادت الى المنزل.

كانت أم صبرية ترضع أخاها التوأم قبلها وتنظفه وتجهزه ثم يأتي دورها، لم تكن صبرية تشتكي كباقي الأطفال، بل كانت تنتظر دورها بصمت وصبر لذلك سمّوها صبرية.

تتذكر صبرية بعض ذكريات الطفولة في حي المعادي بمدينة حلب، "قبل موعد الإفطار في رمضان، كان أبي يعطينا صندوقاً من التمر لنقف به على باب الدار ونوزّعه على المارّة الصائمين".

وتتابع القول، "في آخر أيام رمضان، كنت ألعب مع أختي وبنات أختي الكبيرة قرب المنزل دون ارتداء الحجاب، كنت بعمر الثانية عشرة تقريباً، فجاء أبي من بعيد ورآني، فغضب كثيراً وحلق لي شعري، أذكر أننا بكينا كثيراً خاصة أنه كان يوم وقفة العيد".

تعلمت صبرية وأخويها عند الشيخ في الكتّاب، ولما بلغت السابعة من عمرها منعها أهلها من دخول المدرسة في حين سمحوا لإخوتها الشبان بذلك، ولكنها بقيت تلحّ على أهلها للسماح لها بالدراسة، فأرسلوها وهي بعمر الحادية عشرة الى مدرسة الأميّات حيث مكثت فيها بضعة أشهر لتقوي نفسها في القراءة والكتابة.

بدأت صبرية بالعمل وتعلم أصول مهنة الخياطة على يد سيدة حلبية ماهرة، حيث دفع أهلها للخيّاطة 250 ليرة مقابل تعليمها، وهو مبلغ كبير في تلك الأيام، وبعد ثلاث سنوات أتقنت صبرية المهنة، وجهّز لها والدها غرفة تحت درج المنزل لتمارس به العمل، تقول، "في تلك الأيام كان المجتمع يتقبل عمل المرأة ولكن ضمن منزلها فقط، بحيث يأتي الزبائن إليها ولا تضطر للخروج والتنقل كثيراً".

بعد فترة من عملها في الخياطة، اشترت صبرية مكنة نسيج ووضعتها في معمل أبيها في منطقة الكلاسة، وصارت تأخذ مردود إنتاجها بعد خصم أجرة العامل والصيانة وما الى ذلك.

خُطبت صبرية لابن خالها لمدة ثلاث سنوات، ولكنه توفي في حادث أثناء عودته من الخدمة العسكرية، فتزوجت من رجل كان يرغب بزواجها قبل خطبتها ولكنه تراجع حينها لأن ابن خالها يعتبر بحسب العادات أَولى بالزواج منها، تقول صبرية، "بعض العائلات كانت تأخذ برأي الفتاة في الزواج، وبعضها كانت تفرض الزواج على البنت وخاصة إذا كان الخاطب ابن عمها".

تزوجت صبرية وأختها في يوم واحد وكان العريسان أقرباء أيضاً من بلدة صوران في ريف حلب، تقول في ذلك، "قليل ما يزوّج أهل المدينة بناتهم لأبناء الريف، إذ كانوا ينظرون لهم نظرة فوقية، وحتى أهل الريف كانوا يحبون الزواج من بعضهم ولا يفضلون بنات المدينة، ولكننا لم نهتم لكلام الناس، وكانت علاقة أهلي مع أهل زوجي علاقة مودة واحترام متبادل".

أنجبت صبرية خلال زواجها خمس بنات وأربعة صبيان، مات منهم ثلاثة في الطفولة المبكرة بسبب الأمراض، وبعد أن كبرت بناتها ودخلن المدارس، عادت صبرية الى العمل في الخياطة لمساندة زوجها في مصاريف العائلة التي ازدادت مع مرور الوقت.

كبر الأولاد والتحقوا بالخدمة الإلزامية تباعاً، وساء وضع رب العائلة الذي أصيب بعدة جلطات أجبرته آخر واحدة على التزام السرير، وفي تلك السنوات الصعبة، تحملت صبرية مسؤولية العائلة بالعمل والاعتناء بزوجها الذي توفي بعد سنة ونصف من المرض.

تقول في ذلك، "عندما مرض زوجي، اضطر اثنان من أولادي لترك المدرسة وهم في المرحلة الإعدادية من أجل العمل ومساعدتنا في المصروف، أما البنات فكنّ مجتهدات في المدرسة أكثر من إخوتهن، ومع ذلك لم يسمح أبي أو حتى أهل زوجي لهن بمتابعة الدراسة بعد الصف السادس الابتدائي".