كان صفوان جمو يافعاً حين بدأ يتردد على مكتبة المركز الثقافي في مدينة أرمناز بريف إدلب، حتى لم يبقى فيها كتاباً إلا وقرأه، يقول، "في بداية الثمانينيات، كان عمري نحو 13 عاماً حين اُعتقل بعض المعلمين في مدرستنا بتهم الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين والإرهاب، كنت واعياً أكثر من أبناء جيلي نتيجة قراءاتي المبكرة وأدركت أنهم ليسوا مجرمين، ولكن المدرسين البعثيين كانوا يسوّقون لنا هذه الفكرة، فازداد فضولي للبحث عن الحقيقة وعن ماهية النظام الذي يحكم البلد".
في العام 1982، سمع صفوان أن هناك إذاعة تبث إرسالها من العراق عن طريق الموجات القصيرة، كان اسمها صوت سوريا الحرة، فعثر عليها عن طريق الراديو، وصار يستمع الى أفكار ووجهات نظر مختلفة عن الأحداث الدائرة في سوريا وفي مدينة حماة على وجه الخصوص. يقول، "بدأ وعيي السياسي يتشكل من خلال فهم المرحلة التي نعيشها والظلم الواقع على المجتمع، ومن جملة ذلك ما طال المدرسين في مدرستنا والذين أفرج عن بعضهم بعد أكثر من 15 عاماً من السجن، فيما تمت تصفية الآخرين".
درس صفوان الهندسة الكهربائية في جامعة حلب، ولكنها لم تكن بالمستوى الأكاديمي الذي كان يتصوره قبل دخولها، يقول في ذلك، "كانت الجامعة تعاني من تخلف حقيقي في مواكبة العصر، زامن دخولنا الى الجامعة فترة الضغط الاقتصادي والأزمات التي عانت منها البلاد عام 1986، حيث سافر كثير من الأساتذة الجامعيين الى دول عربية وأجنبية بحثاً عن فرص عمل أفضل، فحصل فراغ كبير في الكادر التدريسي في الجامعات وفي كليتنا تحديداً، وكان البديل هو جلب أساتذة ضباط من أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية، واستمر ذلك الوضع لنحو عامين، الى أن عاد من أوفدوا للدراسات العليا في الخارج وجلّهم من العلويين ليسدوا النقص الحاصل في الكادر التدريسي".
تخرج صفوان عام 1992، وعمل في مديرية أوقاف حلب وفي القطاع الخاص قبل أن يتوظف في أوقاف إدلب عام 1997، يقول، "كان الفساد في أوقاف إدلب موجوداً ولكن بمستويات متدنية جداً، لكونها مؤسسة محدودة الموارد رغم ضخامة أصولها وممتلكاتها العقارية، وذلك بسبب ضعف إمكانيات الاستثمار، فضلاً عن القوانين السائدة مثل قوانين الإيجارات التي حدت من أخذ إيرادات الإيجار الحقيقية من العقارات التابعة للأوقاف".
يقول صفوان إن طلبات التعيين في الأوقاف سواء في الوظائف الدينية أو غيرها، كانت تخضع لنظام دقيق، حيث يتم إرسالها الى فروع أمنية عدة قبل الموافقة عليها، "عندما يُقدّم إمام أو خطيب مسجد طلباً للتوظيف، يتم استدعائه الى الفروع الأمنية، ويتم تلقينه درساً بأنه أمام مهمة وطنية تقتضي منه أن يكون عيناً وأذناً للنظام، وأن ينقل الى أجهزة الأمن كل صغيرة وكبيرة تحصل في المسجد، وهذا ما يفسر وجود كم كبير ممن عملوا في الشعائر الدينية والأوقاف وقفوا الى جانب النظام في شتى الظروف".
تنقّل صفوان بين عدة أقسام ومجالات بمديرية الأوقاف في إدلب، فكان رئيساً للدائرة الوقفية لسنوات عدة، ثم رئيساً للمكتب الفني، ثم عمل في قسم الأملاك وغيره، يقول، "الأوقاف في سوريا هي عبء على الدولة، بدل أن تكون مكملاً ورافداً لها، فلو تم استثمار الإمكانيات الهائلة والعقارات التي تمتلكها وزارة الأوقاف استثماراً صحيحاً لاستطاعت النهوض بالمجتمع".
ويتابع القول، "الأوقاف في الدول الاسلامية غير الشمولية مثل تركيا واندونيسيا لها مساهمات كبيرة في قطاعات الصحة والتعليم وغيرها، إذ لا تنحصر مهمتها فقط بتأمين مكان للصلاة. لقد أضعفت القوانين مؤسسات الأوقاف حتى باتت عبئاً على الدولة".
كانت رواتب العاملين في المجال الديني من أئمة وخطباء وخدام الجوامع زهيدة جداً وهي أقل من معاشات موظفي الأوقاف الإداريين، حيث لم يكونوا مشمولين بالقانون الأساسي للعاملين في الدولة، وكانوا محرومين من الإجازات أيضاً، يقول صفوان، "الهدف من قلة راتب العامل في المجال الديني هو أن يبقى فقيراً وفي حالة عوز، وهي سياسة مرسومة منذ أوائل السبعينيات".
عمل صفوان في مجالات أخرى مثل التجارة الى جانب عمله في الوظيفة الحكومية لأن الرواتب لم تكن تكفي أبداً لسد الاحتياجات كما يقول، "لقد كان هذا الأسلوب خاطئاَ، فعندما تُحيج من يعمل عندك أن يذهب الى مكان آخر ليكسب رزقه، لن يتمكن من إعطائك كل ما يملك من وقته وجهده، ولن يبدع أبداً وهو يعمل في مجالين مختلفين".