صلاح الهوني

احد مقابلات حزمة: ٤٢ عاماً من القمع,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: منزله في بنغازي
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

"أجبروني على الوقوف مقابل الجدار لمدّة 12 ساعة وأنا معصوب العينين"

سُجن صلاح محمد الهوني لأول مرّة عام 1984 بتهمة سماع الراديو. يقول “بعد إغارة جبهة الإنقاذ الوطني الليبية على باب العزيزية انتابني الفضول وأردت الاستماع إلى المزيد من الأخبار عن الثغرات في نظام القذافي، ولأن إرسال المحطة الإذاعية المعارضة في حيّنا كان مقطوعاً، كنتُ أضطر للابتعاد ثلاثين كيلومترًا عن منزلي للاستماع إليها، وفي أحد الأيام تمّ سجني لشهادة أحدهم برؤيتي أستمع إلى الراديو.”

“فتّشوا منزلي ولم يجدوا شيئاً، وبعد مرور عام على سجني برفقة غيري من المتّهمين بنفس الجريمة، اكتشفوا أننا أبرياء وأطلقوا سراحنا. تولّى قضيتنا آنذاك مجموعة من المحامين وقاموا بتمثيلنا كمجموعة، وكان العناد هو المسيطر على علاقة المحكمة ونظام القضاء بالنظام السياسي، فالعديد من القضاة أخلوا قاعة المحكمة ولم يرغبوا بإصدار أي حكم يخص قضيتنا، لكن طمأننا البعض ممن كان في بنغازي بأنهم سيبحثون في أمرنا. تمّ سجن البعض في طرابلس ولم نسمع عنهم شيئاً مما سبّب لنا القلق لبعض الوقت، لكن المحكمة أعادت لنا الأمل، وأخرجونا”.

مرّت سنوات دون أي أحداث إلى أن دخلت قوات النظام منزل الهوني في 19 مارس  1990. يقول الهوني “سمعتُ طرقاً على الباب، وحين فتحت، وجدتُ ستة رجال بمسدسات ورشاشات يحيطون بي، مزق أحدهم قميصي وهو يشدني إلى داخل السيارة حيث كان أخي بداخلها معتقلاً كرهينة إلى أن يتمكنوا من القبض علي“. أطلق سراح أخيه، أما هو فأخذوه إلى موقف للسيارات في أحد المباني على الطريق إلى طرابلس، وعصبوا عيناه وأجبروه على الوقوف في نفس المكان لمدّة ست ساعات متتالية، وبعدها تابعوا به إلى طرابلس وهو معصوب العينين.”

“في اليوم التالي وصلنا إلى سجن أبو سليم حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً، حيث أجبروني على الوقوف مقابل الجدار لمدّة 12 ساعة وأنا معصوب العينين، وكنت أسمع أصواتاً لأناس يسقطون من التعب بجانبي، فيرغمونهم على الوقوف بالقوة مرة أخرى”.

اقتيد الهوني في منتصف تلك الليلة إلى غرفة الاستجواب حيث تمّ تعذيبه. يقول عن ذلك “كان معهم عصيان وكابلات، ضربني أحدهم بقبضته على أذني، لم أتمكن من رؤية شيء أمامي، تمّ تعذيبي بصورة متتالية على مدار شهر كامل، جعلوني أستلقي على ظهري بينما جلس أحدهم على صدري لاستجوابي، كانوا يقيّدون قدميّ ويضربونني، يصفعونني ويسخرون مني ويستخدمون كلاباً بحجم الحمير لتهديدي”.

بعد فترة تمّ وضع الهوني في السجن الانفرادي لمدّة 21 شهرًا، حيث لم يكن يرى ضوء الشمس، يقول “كانت غرفتي رطبة وكان عليّ أن أرفع فراشي عن الأرض يومياً لأبعده عن البلل، كنت أشغل نفسي بالمشي في الزنزانة التي لم تتجاوز مساحتها مترين بثلاثة أمتار، وكان صوت إذاعة اللجنة الثورية يلعلع طوال الليل كي لا يتمكن السجناء من التحدّث إلى بعضهم البعض، لا أرَ أحداً إلّا حين كنت أركض من وإلى زنزانتي ثلاث مرات يومياً كي آخذ طعامي. كنت أزن حين دخلت السجن103  كيلوجرام وخرجت منه أزن 67 كيلو جرام فقط”.

تمّ نقل الهوني أخيرًا إلى زنزانة مع خمسة عشر رجلاً، كان معظمهم من الجماعة المعارضة في الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا. يقول: “كنّا نتحدّث مع جيراننا السجناء عبر ثقوب صغيرة في الجدران، وهكذا تعرّفت على جاب الله مطر وعزّت المقريف في الزنزانة رقم سبعة”.

كان مطر والمقريف عضوان في الجبهة وتمّ احتجازهما في القاهرة وتسليمهما إلى ليبيا في مارس 1990، كان المقريف عمّ زوجة الهوني، وكانا قد تقابلا سابقاً في إسطنبول عند حديثهما عن المعارضة.

كان اسم الهوني قد ذكر في قائمة المقريف ومطر، الأمر الذي قاد إلى اعتقاله وسجنه 12 عاماً. خلال فترة سجنه في أبو سليم، لم يرَ الهوني محامياً أو قاضياً ولم تتمّ محاكمته. يقول “كانوا  يخبروننا كل بضعة أشهر أنه سيتمّ إطلاق سراحنا قريباً، لم أرَ أولادي أو أسمع عنهم لمدّة 12 سنة، توفّيت والدتي دون أن تعلم إن كنت حياً أم ميتاً “.

كان الهوني في سجن أبو سليم خلال مجزرة عام 1996. يقول “كنّا في القسم الثالث من سجن أبو سليم وكانت وجبة الغداء قد وصلتنا للتو، وفيما كان يتمّ تسليم الغداء بعد ذلك إلى القسم الرابع سمعنا صوت جلبة، وبعد نصف ساعة، فتح سجناء القسم الرابع باب زنزانتنا وكانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها سجناء من قسم آخر، كان هؤلاء السجناء الذين يعيشون حالة موت بطيء قد انتفضوا ضدّ ظروفهم، توجّه سجين من كل قسم للتحدّث مع رجال الحكومة، وكان ممثّلنا الشيخ محمد الجويلي يعود ويخبرنا عن المفاوضات. كان عبد الله السنوسي قد وعدهم بتحقيق مطالبنا وبقضاء ليلة آمنة”.

عادوا إلى زنزاناتهم الساعة الثالثة صباحاً، وبعد مرور ساعة أو ما شابه طلبوا من سجناء الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا أن يعرّفوا عن أنفسهم. يقول: “اقتادونا إلى الباحة وطلبوا منا أن نستلقي على الأرض، وفي الساعة الثامنة والثلث صباحاً دوّى صوت صفّارات الإنذار وسمعنا صوت إطلاق نار متواصل دام سبعين دقيقة، كانت الصفّارات تغطّي على صوت إطلاق النار كي لا يسمعه الجيران في المنطقة السكنية المجاورة. وبعد ثلاثة أيام تمّ نقلنا مجدّداً إلى زنزانات تضمّ مجموعات من السجناء حيث كنّا نشم رائحة التعفّن“.

مرّت سنوات إلى أن تمّ إطلاق سراح الهوني عام 2002 دون أية محاكمة، لكن المحكمة العسكرية اطلعت على قضيته وصدر بحقه بعد ذلك كتاب عفو من مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية، نصّ على أن الحرية حق أساسي ومسؤولية وأن الهدف من العفو هو اندماج الهوني في المجتمع مجدّداً وعمله على تنمية بلاده.