ولد عبد الباري عثمان عام 1962 في قرية "القوة" الكردية بمحافظة الحسكة، والتي تبعد عن مدينة القامشلي نحو 19 كيلومتر.
عاش عبد الباري حياة بسيطة في قريته الصغيرة التي تركت في ذاكرته كثيراً من ذكريات الطفولة الجميلة، يقول، "كنا نقضي أغلب أوقاتنا نلعب في بساتين البطيخ والعجّور، كانت حياتنا بسيطة، وكان ثوب واحد يكفينا طوال فصل الصيف".
لم يكن في القرية مدرسة وكان عبد الباري يذهب مع مجموعة من رفاقه للدراسة في قرية "ديوان" التي تبعد عنهم نحو خمسة كيلومترات، حيث يُعلّمهم معلّم واحد جميع المقررات الدراسية ومن الصف الأول حتى السادس الابتدائي. يقول، "عندما يغيب الأستاذ بسبب مرض أو حالة طارئة، كنا نذهب الى قرية أبعد بنحو ضعف المسافة لمتابعة اليوم الدراسي، مشياً على الأقدام في طرقات ترابية وموحلة في أيام الشتاء".
كانت أقرب قرية عربية تبعد نحو 20 كيلومتر عن قرية القوة، يقول عبد الباري، "في فصل الصيف وبعد حصاد المحصول الزراعي، كانت بعض عشائر البدو تأتي وتنصب الخيام للرعي في أراضينا، كانت علاقاتنا معهم ودية، نقدم لهم كل التسهيلات ونرحب بهم، ويبادلوننا الودّ بتقديم بعض الذبائح وما الى ذلك".
ويتابع القول، "كانت هناك سيارة نقل واحدة تمر على القرى لأخذ الألبان والأجبان وبيعها في مدينة القامشلي، إذ كان المورد الأساسي للأهالي يعتمد على المحصول الزراعي وتربية المواشي".
تأثرت المجتمعات المحلية في الحسكة ببعضها البعض في الثقافة ونمط الحياة كاللباس والطعام وغيره، ففي حفلات الأعراس مثلاً، كان العرب يرقصون على أنغام الموسيقى الكردية التي أضيفت لها كلمات عربية، يقول عبد الباري، "كان النظام الحاكم يحاول التفريق بين النسيج السكاني المتنوع في منطقة الجزيرة السورية، كنا نشعر بفرق المعاملة من قبل الدولة ما بين العربي والكردي أو المسلم والمسيحي أو الشاوي والديري وما الى ذلك، كنا كأكراد نُمنع من التكلم بلغتنا الكردية مع زملائنا في المدرسة، وكان النظام يعمد الى إعطاء بعض المناصب كرؤساء البلديات والمدراء الى شخصيات مسيحية، حتى يلمّع صورته أمام العالم كنظامٍ متحضر يحفظ حقوق الأقليات".
ويتابع القول، "لم أكن أشعر بوجود أي حساسية بين جميع مكونات مجتمع الحسكة، كنا جميعا نتشارك في الأفراح والمناسبات الاجتماعية، ففي عيد النيروز الكردي على سبيل المثال، كان الجميع يشاركون ويحتفلون على اختلاف قومياتهم ودياناتهم، ولكن النظام حاول زرع التفرقة بيننا، فالكردي كان متهماً بنزعته القومية، والبدوي أو الشاوي متهم بولائه للنظام العراقي، وقسم من المسيحيين يُعتبرون عملاء للخارج".
في أثناء العمل بمشروع سد الفرات، في فترة السبعينيات، غرقت بعض الأراضي في محافظة الرقة ما ألحق الضرر بعوائل كثيرة كانت تمتلك الأراضي، فقام النظام بجلب تلك العائلات وأسكنها في القرى الكردية المنتشرة على الشريط الحدودي مع تركيا. رفض قسم منهم التعدي على أراضي الأكراد في المنطقة، بينما وافق الآخرون واستملكوا أراضٍ كانت للأكراد، حيث بنت الدولة لهم بيوتاً اسمنتية ووفرت لهم البنية التحتية والخدمات وصار لهم نفوذ كبير في المحافظة.
يقول عبد الباري ، "كنا نسميهم المغمورين نسبة الى غمر أراضيهم بمياه الفرات، لقد أدت تلك السياسة الخاطئة الى زرع حساسية بين المجتمعَين، ما زالت باقية حتى يومنا هذا".
في عام 2004 شهدت المنطقة انتفاضة جماهيرية، يصفها عبد الباري أنها لم تكن في الحقيقة حركة كردية، إنما انتفاضة سوريّة ولكن البعض أعطوها طابعاً قومياً كردياً. يقول، "وقعت الأحداث نتيجة خلاف في مباراة لكرة القدم بين فريق الفتوة من دير الزور وفريق الجهاد من القامشلي، كان الأمريكان حينها دخلوا العراق واعتبروا منطقة كردستان العراق منطقة آمنة، وفي ظل ذلك المناخ الاقليمي المعقد، خشيَ النظام من تمدد التجربة الكردية العراقية الى سوريا، وكان يرغب بجس نبض الشارع السوري تجاه تقبل ذلك، فحاول إشعال فتيل التفرقة بين العرب والكرد حتى لا يشكلوا كياناً واحداً في حال تدهور الأوضاع في سوريا بعد العراق".
ويتابع القول، "قبل يوم من المباراة، جالت حافلات تقلّ مجموعات من الشبّان العرب في المناطق الكردية، يشتمون مسعود البارزاني وبعض الرموز الكردية، في محاولة لاستفزاز الأكراد، وفي اليوم التالي، يوم المباراة الكروية، وقع إشكال أثناء اللعب واشتبك جمهور الفتوة مع الجمهور الكردي الداعم لفريق الجهاد، وبدأت الأمور بالتضخم، فأعطى المحافظ سليم كبول أوامره لعناصر حفظ الأمن بإطلاق الرصاص الحي على الأكراد، ما أوقع قتلى وجرحى، وفي اليوم التالي للأحداث، خرج الأهالي لتشييع قتلاهم، وقامت مظاهرات ضخمة تخللتها أعمال عنف، سقط خلالها أيضاً قتلى وجرحى نتيجة إطلاق النار من قبل عناصر الأمن، يومها تم تحطيم تمثال حافظ الأسد لأول مرة في مدينة سوريّة هي مدينة عامودا".