تحدثنا السيدة علا الجندي من منظمة النساء الآن عن التعاون الذي تم بين منظمة النساء الآن للتنمية ومبادرة نحن لبعض في لبنان خلال جائحة كورونا، فتقول:
البرنامج الذي تم التعاون به مع مبادرة نحن لبعض هو برنامج أسسته قيادات نسائية مجتمعية، هدفه الأساسي تفعيل وتمكين النساء للعب دور فعال في الشأن العام، ولذلك كانت مبادرة نحن لبعض تعنى بتقديم صفوف محو أمية للنساء، مع تمكينهن من مهارة يدوية لتصنيع منتج من أكياس النايلون للحفاظ على البيئة. والبرنامج هو مجموعة من التدريبات لها علاقة بالمهارات والمعارف السياسية والاجتماعية، مثل مهارات القيادة، التواصل الفعال، التفاوض، معارف حول الديمقراطية، والدستور وأهميته، معارف متنوعة. بنهاية هذا البرنامج تحصل النساء على ورشتين مهمتين: تدريب مدربين، وإدارة ورش العمل. لأننا يجب أن نبني بناء على قدرة المجتمع على تنظيم نفسه بنفسه، وإحياء فكرة التطور وقدرة المجتمع على الدعم والتضامن مع بعضه، وقدرة النساء المحليات على الاستجابة للأزمات والمشاكل التي تحدث في مجتمعاتهن ومحيطهن الخاص. وهكذا كان عملنا.
وتخبرنا السيدة علا عن كيفية اختيار منظمة النساء الآن لمبادرة نحن لبعض، فتقول:
لدينا معايير أساسية وواضحة للاختيار، وما حصل في مبادرة نحن لبعض أنه في مرحلة معينة كمقترح مشروع، هي لم تحقق هذه المعايير، ولكنها حققت المعيار الأساسي الذي نفكر به، وهو شغف عضوات المبادرة بالقضية التي يعملن عليها، وقدرتهن على إدارة العلاقة، شغفهن فعلاً بالعمل التطوعي القائم على التضامن بين النساء، وقدرتهن على التقديم ونقل المعرفة التي حصلن عليها إلى نساء أخريات، والروح الكفاحية العالية التي تحس بها عند دخول المشغل الذي يعملن به، وهذا شيء مميز كثيراً كان بالنسبة لنا. وعندما تشاهد النساء المتدربات اللواتي يرتدن المركز تشعر بجد أنهن خلقن مساحة آمنة يُدرنها مع السيدات المتدربات، وتشعر بأن الناس قادمة لتفرح، ليس فقط لتتعلم، تفرح وتعيش جزءاً من الحياة التي حُرِمتها في بلدها، وهذا شيء كان طموحنا في كل عملنا، وهن كن قدوة فيما عملوه بامتياز.
بعد ذلك تنتقل السيدة علا للحديث عن الدعم المقدم من منظمة النساء الآن لتلك المبادرة، فتقول:
كان دعمنا من خلال إقامة ورشة خاصة لكادر مبادرة نحن لبعض عن إدارة فرق العمل وعن أهمية التنظيم المجتمعي وطريقته وأدواته، وأيضاً عن التوثيق الذي من الممكن أن يقمن به من أجل دعم استمرارية المبادرة واستدامتها من حيث الأثر ومن حيث التنفيذ. أيضاً بعد بدء المبادرة قدمنا أشكالاً مختلفة من الدعم، بداية من الدعم المالي المحدود إلى الدعم التقني. كما يوجد شخص من قبلتا مسؤول عن مرافقة المبادرة طيلة فترة تنفيذها، ويقدم التوجيهات الخاصة حول الإدارة والتوثيق. ومع كل هذا الدعم الذي نقدمه نترك لهن مساحة أخذ القرارات المهمة بشأن مبادرتهن، نحن لا نقرر عنهن أي شيء، ولكننا نساعد في المكان الذي يطلبن فيه المساعدة.
ثم تنتقل السيدة علا للحديث حول الصعوبات والتحديات التي واجهتهم في هذا المشروع، فتقول:
في البداية كان التحدي الكبير لنا هو التعامل مع نساء من خلفيات مختلفة، وخصوصاً أن المشتركات في البرنامج ممكن أن يكن سوريات فلسطينيات أو لبنانيات، وكوننا منظمة تعنى بالشأن السوري ومعظم المتدربات سوريات، ولكن هناك نسبة مقبولة من اللبنانيات، وكان هذا أول تحدي لنا، وخاصة أننا نتكلم عن قوانين عن دستور عن قضايا النساء في الشأن العام، لكن عندما صممنا التدريبات أخذنا بعين الاعتبار هذا التنوع. وأيضاً كان المدربين متنوعين، حتى في الورشة الواحدة يتم التنوع من خلال أمثلة متنوعة عن الوضع اللبناني السوري، والمدربين متنوعين أيضاً، سوريين ولبنانيين وأحياناً دوليين، ونحتاج لترجمة أحياناً، لو ترى تجارب النساء من بلدان مختلفة وفي سياقات مختلفة، هذا كان تحدي.
ثم كان التحدي الثاني، وهو أساسي وعميق ويجيب عن سؤال ماذا بعد؟ تدربنا وتمكنا ونعمل الآن مبادرة، لكن هذه المبادرة دعمها وامكانياتها محدودين. ما هي الخطوة اللاحقة التي يجب أن نفعلها مع بعض وكيف ينضم سيدات المبادرة إلى الحركة المجتمعية اللازمة حتى يكن فعالات أكثر لأن الأفراد مهما كانوا فقدراتهم على الفعل محدودة، فعندما تكون جزءاً من حركة اجتماعية تكون قدرتها على الفعل أكثر. فكيف ندمج نساء أكثر بهذا الحراك النسوي أو المجتمعي؟
وعن الإيجابيات والسلبيات خلال تنفيذ المشروع المشترك تقول السيدة علا:
أعتقد أن السلبيات قليلة، ودائماً التنوع غنى، ويطرح وجهات نظر مختلفة، التنوع يخلق بيئة، وخصوصاً إذا تمت إدارته بطريقة جديدة وإمكانات عالية، فيعطي بيئة آمنة لحظية ومستقبلية، ونحن فكرنا بأمرين عندما قررنا أن نعمل هذا التنوع بكل جوانب المبادرة: المشاركات بالمدربين بالمواضيع المطروحة، لأننا كلاجئين في لبنان غير قادرين وغير صحيح أن ننفصل عن المجتمع المضيف، وليس صحيحاً ألا نفكر ببناء الجسور بيننا وبين المجتمع المضيف، وليس من الصحيح أبداً أن نخضع لما يقوله السياسيون عن اللاجئين بأنهم شيء وأن اللبنانيين شيء آخر، أو لإرادة الاعلام المسيس والموجه بهذا الاتجاه.
مواجهة العنصرية ليس بمواجهتها، بل ببناء جسور تواصل، ونحن نرى أن هذه الجسور مباشرة ومن القلب للقلب عندما تكون عن طريق النساء، والشيء نفسه فالنساء الفلسطينيات هن جزء من المجتمع السوري، أو هن جزء من المجتمع اللبناني، والحقيقة لديهن غنى بتجربتهن الطويلة بوجودهن خارج بيئتهن الطبيعية، وهذا هو حس الإيجابية الذي يرافق التنوع دائماً.
أما السلبيات فتنحصر فقط في التحديات، التي غالباً ما تفرض من حيث تصميم البرامج، ثم يأتي التحدي الأساسي وهو الحاجة لمهارات عالية للحفاظ على حيوية علاقة متوازنة بين جيدة بين شركاء مختلفي الانتماءات.
أما عن اختلاف الانتماءات لكوادر ومتدربي المشروع والتفاعل معها، فتقول:
في البداية كانت الناس تستغرب شكل بعضها، تستغرب اللهجة، لكن بصراحة عندما تكون الأرضية آمنة ومبنية على التضامن فلا تتطور حالة الاستغراب أو عدم المعرفة لبعض للتحول إلى مشكلة. وبصراحة وجهت لي أسئلة: هل المدربة من الجنوب؟ نعم من الجنوب، لكن عندما تكون المدربة منتقاة من خلفية حقوقية عميقة ونسوية، مدركة للسياق الذي تتعامل معه، ولديها مهارات عالية وتقدم جهدها فإنها تستطيع أن تبني على هذه المساحة الآمنة، ولا يكون لديها أي مشكلة، وهذه المدربة هي الآن المدربة المفضلة عند كل السيدات في كل الدورات، السنة الماضية كان لدينا 45 سيدة وهذه السنة 45 سيدة والمدربة تنتقل معنا من سنة لسنة وهي من بيئة طائفية مختلفة، ومن بيئة اجتماعية مختلفة، ولكنها المدربة المفضلة عند الجميع. والشيء نفسه لبقية المدربين وللمتدربات بين بعضهن، فيكون هذا الاستغراب الناتج عن عدم معرفة الآخر كما يجب. أعرف الصورة التي صدرت لي عن الآخر المختلف، لذلك عندما أراه أستغرب وأبعد، لكن عندما تكون لدي مساحة أمنة وأنا متروكة لحالي حتى أتعرف على الآخر، وعلى الوجه الثاني للآخر الذي لا يعرضه الاعلاميون ولا السياسيون، وبدون هذا الضخ التمييزي الكبير الذي يتم حولنا، فالكل يكون مرتاح والكل يتعرف على بعضه. أكبر مشكلة تواجهنا عندما يكون هناك اختلاف سياسي واختلاف بالنظرة الحقوقية لأزماتنا ومشاكلنا، هذه بصراحة هي المشكلة الأكبر.
وأخيراً تتحدث السيدة علا عن التأثيرات التي تركها تنفيذ المشروع على المستوى الشخصي وعلى مستوى المنظمة، تقول:
إن السيدات اللواتي ينهين التدريب نبقى على تواصل معهن لسنوات طويلة، أنا بشكل شخصي أعتقد بأن هذا التواصل هو السبب الأساسي لاستمراري في الحياة. أما على مستوى المنظمة فالحقيقة أن نقطة قوتها الحقيقية هي ثقة المشاركات في برامجنا، والعلاقة القوية والمتينة التي نبني عليها دائماً معهن، وأنا دائماً أقول للسيدات: شكراً لكن لأنكن أنتن اللاتي تفيدوننا، ونحن معروفين بأننا أكثر منظمة قريبة من الأرض والواقع، أكثر منظمة تعمل في البيئات المحلية، أكثر منظمة عندها استجابة سريعة ومرنة، لاحتياجات الناس ومقترحاتهم.