غادر عمر الشيخ (32 سنة) بلده سورية هرباً من الحرب وملاحقة السلطات بحكم عمله كصحفي، توجه إلى لبنان لمدة شهر، ثم غادر إلى تركيا نهاية العام 2015 بعد أربع أيام من وصوله، واختار قبرص بلداً للإقامة واللجوء، بحكم وجود بعض إخوته منذ عقود هناك، يقول:"تحاشيا لألم الغربة فضلت أن أكون بجانب إخوتي على الأقل، وهذا الأمر لعب دور مهم في حساسيتي ككاتب في المجال الثقافي وتحاشياً للاكتئاب والحنين، لأنني كنت في بلدي أشعر بالراحة وأعمل وأمارس شغفي من قراءة وكتابة لولا مشكلتي مع النظام والحرب".
ويعتبر عمر أن وجوده إلى جانب جزء من عائلته ربّما ساهم في تسريع اندماجه بالمجتمع المحلي، يقول: "إذا أردت الذهاب إلى أي جهة حكومية أو أي مكان آخر هناك مرجعية يمكنك الاستعانة بها، لديك إخوة مطلعين ولديهم علاقات اجتماعية ولديهم مجتمع سوري وعربي وهم على تماس معه. ولكن بما أن طبيعة التفكير في البلد منغلقة على بعضها رأيت أنه من الصعب الاندماج دون أن ترمي نفسك بينهم، مهما تعبت من هضم اللغة والتجارب والثقافة الخاصة بهم سيكون لديك طريق أسرع لتصل لهم، ولكن إذا كنت مقتصراً بتواصلك مع العرب فقط، سوف يظل هناك حاجز بينك وبين الشخص الآخر من أهل البلد" على حد رأيه.
بذل عمر جهداً في تعلم اللغة اليونانية يقول: "لأن مفاتيح مهنتي هي اللغة"، حيث يعمل في الصحافة العربية، ورغم ذلك واظب على الكتابة المستقلة لعدد من المنابر الصحفية بالعربية، ورغم أنه سد رمق من حاجته المادية إلا أن "الجانب السلبي هو أنني أعمل في اللغة العربية وهذا ما كان يفصلني عن المحيط، كنت أقضي ساعات طويلة في قراءة الكتب العربية، وقبرص بلد لا تملك برنامج لدمج اللاجئين. إذا أردت أن تتعلم اللغة عليك أن تبحث بنفسك".
عانى عمر من موضوع البحث عن عمل لفترة طويلة، فكان مكتب العمل هناك بعد تقديم مساعدة مالية لمدة ستة أشهر ثم قطعها، يقوم بإرساله إلى العمل في "مقالع حجارة وتنظيف مزارع ومعمل بلاستك"، ويشير إلى أنه أخبرهم أنه "صحفي ولا يهمني أن أعمل في تنظيف الحدائق ومقالع الحجارة، طالبت بأن يضعوني في مهنة قريبة وأخبرتهم بأني لا أمانع أن أعمل في مستودع لنقل الكتب حتى"، ويضيف: لكن قبرص ليست بجزيرة قادرة على تأهيل اللاجئين، وإنما فرض عليها ذلك كونها تابعة للاتحاد الأوروبي.
سمحت الفرص لـعمر أن يتفاعل مع المحيط الاجتماعي القبرصي والاندماج من خلال حضور الفعاليات الثقافية بعد رحلة طويلة مع تعلم اللغة اليونانية، وكان يجد ذلك في "وسائل التواصل الاجتماعي والبعض يعرف بأنني صحفي فيرسلون لي دعوات، وهذا شكل من أشكال التواصل كونه أن هناك صلة بيني وبين هذا المجتمع في هذا المجال الثقافي، الشكل الآخر من التواصل هم أسر اخوتي الذين اقضي معهم وقتاً طويلاً وهم قبارصة" حسب قوله.
ويعتقد عمر أن الجانب الديني لعب دوراً في إظهار بعض الفروق الاجتماعية بين اللاجئين – الغرباء والقبارصة، لأن برأيه: "طبيعة البلد هنا قائمة على النظام الكنسي والسلطة الحاكمة هي الكنيسة، والكنيسة تقوم بمساعدة الغرباء والعابرين ومن يحتاج، هناك أشخاص على مستوى أفراد قد يجعلونك تشعر بهذا الفرق، من خلال أحاديث مثل في بلدكم لا تستطيعون الزواج من ديانات أخرى! الثغرة الموجودة لديهم هي في القسم المحتل، فالأغلبية التي تقطن في القسم المحتل الشمالي هي أغلبية مسلمة، ولكن لا يوجد هذه الفروقات الكبيرة، أنا شخصياً لا ديني، مؤمن ولكن لا ديني ولا أناقش في هذا الموضوع ولم أعانِ منه بصراحة بل على العكس أنا أحب أن أقوم بزيارة الأماكن المقدسة مثل الجوامع والكنائس وأستمتع بها كثقافة وليس كمكون داخل المجتمع، لم أشعر أنه من الممكن أن يؤثر على شخصي ولكن طبيعة المواطنين في هذا البلد هم متمسكين بشكل قوي جداً بهذا العامل".
وبعد مضي نحو ثلاثة سنوات ونصف على حياته في قبرص كلاجئ، يؤكد عمر أنه ككاتب وصحفي لا يريد سوى: "مكان هادئ يوجد فيه كهرباء وانترنت وأتواصل مع أشخاص يفهمونني وأحبهم نتبادل سوية هذه الثقافة، الإنسان القبرصي سوف يكون باستطاعتي التواصل معه بشكل أو بآخر عندما أكتمل ثقافياً. وفي النهاية هذه بلده وأنا ضيفه أفكر بهذا المنطق، وأنظر للتعامل، كيف تتعامل أنت مع الطبيعة، تعاملك، عندما تخسر منبر مثلاً، سوف تحصل على آخر، أو تخسر أصدقاء بسبب سوء فهم بعد فترة قد يترمم هذا الأمر وتحصل على شيء أفضل، أؤمن بكارما التعامل والتصرفات" على حد تعبيره.