غيد هاشمي

احد مقابلات حزمة: التعايش السلمي في المهجر,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: برلين, ألمانيا
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

أمّ وحيدة، هكذا تصف نفسها، هويتها "متعدّدّة" وتعرّف بشخصيتها من خلال ديانتها وتعليمها، تقول: "أنا امرأة سوريّة- ألمانية مُسلمة، أخصائيّة في العلوم السّياسية والتربويّة". غيد المولودة عام 1962 في دمشق وبعدها عادت مع أهلها إلى حلب مدينة والدها، بسبب دراسة أمّها في جامعة دمشق حيث لم يكن ثمة جامعات في حلب آنذاك. لقد عاشت التنقل والهجرة منذ ولادتها، لكنّها تحمل بذور الطموح والرغبة بالعلم.  

هاجر والد غيد من سوريا عام 1976 لأسباب سياسية، مما دفع العائلة كلها لمغادرة البلاد بعد عامين تقريباً، إلاّ أنها بقيت تتردّد على مدينة حلب هي ووالدتها ثمّ لحقت بوالدها إلى السّعودية بعد فترة وجيزة. وصدفة كان سفرها لألمانيا، تقول: "كان زوجي يحتاج علاجاً لعينيه في ألمانيا"، وفي عام 1981 وصلت إلى برلين وحدها ثمّ لحقها زوجها وابنتها، لم تستطيع الاستمرار بدراسة الطب لأنّها كانت حامل بطفلها الثاني مما سبب أزمة وقت بالنسبة لها، فقرّرت تغيير اختصاص الدراسة الجامعية نحو دراسة العلوم السّياسية والتربية.

قبل الوصول إلى ألمانيا، عانت غيد من تضييق الحريّات في السّعودية، وكانت حينها في الرابعة عشر من عمرها، تقول: "والدي في سوريا كان يسمح لي بالخروج متى أشاء، لكن عند حلول الليل كان يجب عليّ العودة للمنزل. أما في السّعودية فكان ممنوعاً أن أخرج إلاّ في السّيارة بمرافقة إخوتي مع أنّهم أصغر منّي في السّن، وعندما أتيت إلى ألمانيا كنت سعيدة لأن الفرق لم يكن بين سوريا وألمانيا، بل كان بين السّعودية وألمانيا، وشعرتُ بأنّني تحرّرت من السّعودية، بينما كنت حزينة عند الانتقال من سوريا إلى السّعودية" حسب وصفها. 

لم تعاني غيد من العنصريّة لأنّها من بلد آخر بقدر ما كان موضوع حِجابها على محكّ الفروق الاجتماعية في البداية. ورغم أنّها تعد الآن بأن سوريا وألمانيا وطنان لها، لكنّ حياتها أصبحت أفضل لأنّها خرجت من السّعودية، إذ ثمّة في هذه الأخيرة "تمييزاً ضد الأجانب، واضحاً وصريحاً، أمّا في ألمانيا فالتّمييز غير واضح".

حاولت غيد الدخول من باب التّعليم الجامعي للعمل والاستمرار في الاندماج، لكنّ الصدمة كانت في حادثة رفض منهج بحثي أعدّته حول "كيفية التعامل بشكل ناجح ومحترم مع الطلاّب العرب والسّوريين وأهلهم"، وتسرد هنا قائلة: "في مجلس الجامعة انقسمت أراء الإدارة، البعض قال وبوضوح أنّه صوّت بالضدّ لعدم وجود معرفة شخصية بي، والباقي قرّر أنّه من غير الضّروري تدريس مثل هذا المنهاج". وتضيف غيد أنّها كانت قد "عملت لشهور على المنهاج وذهب العمل أدراج الرياح"، حيث ختم الموضوع عميد الجامعة بقوله لها: "نحن لدينا ديمقراطيّة ولكن لدينا أيضا عنصريّة" حسب قولها. تفاجأت غيد بصدمة الرّفض لأنها "عملت لأشهر طويلة، وأنجزت عملاً ضخماً"، كما عدت في حينها أنّ "دعوتها من أستاذتها، لتكون أستاذةً زائرة في الجامعة" تخفيفاً من وقع الصدمة.

حصلت غيد على الجنسيّة الألمانية مع بداية دراستها للعلوم السياسية والتربية، وكانت قد تقدمت بطلب لجوء قبل ذلك عام 1987، وتصف ذلك قائلة: "عندما حصلت على جواز السفر الألماني، كان ذلك عام 1991 أو 1992، وشعرت أنني ألمانيّة عندما بات السّكان المحليون ينظرون إليّ كألمانية، وقتها أحسست أنّني فعلاً أصبحت ألمانيّة".

وفي تلك الفترة شاركت بما يسمّى "بالتوتوريول"، وهي حلقة نقديّة يجريها طلاب جامعيون، تقول: "كانوا يعدون حلقة بعنوان "أسطورة العدو الإسلامي"، وكانت تشرف على التحضير طالبتين إحداهما ألمانيّة والأخرى كولومبيّة، كانتا سعيدتين جداً بمشاركتي، كوني كنت الطالبة المُسلمة الوحيدة في الحلقة، وأمثّل الطرف الّذي سيتم الحديث عنه، كانت ردود الأفعال منقسمة، وبعد سنة من دخولي الجامعة لاحظت أنّ هذه الحلقة أصبحت عادة سنويّة، محتواها يخصّ نقد المجتمع في عنصريته، ونظرته إلى الآخرين". 

في عام 2000 انفصلت غيد عن زوجها بعد أن أنجبت ثلاثة أطفال، تقول: "بعد أن تركت الجامعة عملت في جمعية تسمى جمعية النساء الإسلامية، وهي عبارة عن جمعية تقوم على رعاية الأطفال بعد المدرسة، عملت معهم كمستشارة تربوية، لمدة عام، بعدها تزوجت للمرة الثانية"، وتضيف أنّها لاحقاً تركت العمل مع الجمعيّة بسبب حاجتها للوقت لتربية أطفالها، ثم انفصلت عن زوجها الثاني لكنّها شعرت أن وعيها ونضجها كامرأة لديها أطفال ومطلقة، مختلفاً وأكثر مسؤوليّة.

وتعد غيد أنّ أكثرية اللاجئين السوريين في ألمانيا اليوم منفتحين لأنّ "المجتمع السوري مجتمع منفتح، وأنا شخصياً لم أقابل أي حالة ترفض الاندماج بتأثير الدين، بل كانت صعوبات الاندماج بسبب العوائق النفسيّة"، كما تصف اللاجئين أنهم "مدللين نسبياً" مقارنة بأوضاع اللاجئين في الماضي.