فاتن أرملة كانت تعيش في دمشق حيث توفي زوجها تحت التعذيب في السجن هناك، وتؤكد أنه قيل لها إن زوجها مات لكن أحداً لم يحضر جثته إليها، وما يزال ألمها ومشاعرها يجيشان عند ذكر كلّ هذا. بعد وفاته هربت مع أطفالها الثلاثة وطلبت اللجوء في عدة بلدان إلى أن تمّ قبولها في فرنسا، سافرت إلى باريس مع أطفالها منذ ستة سنوات حيث تم منحهم شقة للسكن.
لم تكن فاتن تعرف كلمة واحدة من اللغة الفرنسية لكنها حفظت عدداً من العبارات والكلمات التي كان عليها استخدامها كثيراً لملء الاستمارات والتحدث إلى المسؤولين في الإدارات الرسمية، لهذا السبب مُنحت 100 ساعة مجانية فقط من دراسة اللغة بدلاً من 400 ساعة تُمنح عادةً لأولئك الذين لا يعرفون الفرنسية، وقد أعربت عن أسفها لعدم تمكنها من الدراسة أكثر وتحسين لغتها الفرنسية التي تقول إنها لا تزال ضعيفة، لكنها يجب أن تعمل وهي لا تستطيع تحمّل تكاليف تعلّم اللغة، وهو الأمر الذي كان سيسمح لها بالعودة مجدّدا إلى المدرسة.
كانت فاتن ربّة منزل في سوريا وربت أولادها حيث عاشت مع أفراد أسرتها وحظيت بدعمهم لها، لم يكن عليها أن تعمل يوماً لأن زوجها التاجر كان يؤمن لهم عيشاً لائقاً، لذا كانت تجربة الوصول إلى باريس والعيش فيها بالكامل شاقة للغاية وخارجة تماماً عن سيطرتها.
وحين قام شخص ما بإرشادها إلى المبنى المخصص لشؤون المهاجرين أخبرها أنه بمجرد الانتهاء من مهمتها فيه يمكنها العودة إلى المنزل، لكنها أوضحت: "لكنني لم أكن أعرف أين كان يقع هذا المنزل الذي كنت أعيش فيه. فلم أكن قد مكثت في تلك الشقة سوى بضعة أيام فقط". بعد سنة واحدة انتقلت هي وأطفالها إلى مدينة مرسيليا، لكنها تقول أنها خلال الفترة الأولى في فرنسا كانت شديدة الانفعال، وكانت تقوم بالصراخ على أطفالها، وكانت كثيرة البكاء وتشعر باليأس والضياع، وكانت محزونة على زوجها بشكل عظيم، فكرت في الأمر وقررت أن أمامها خيار من إثنين: إما أن تفسد صحة أطفالها العاطفية من خلال إستمرارها على هذه الحالة، وإما عليها أن تقرر صنع حياة إيجابية لنفسها و للأطفال في فرنسا، اختارت فاتن حينها التكيف والبحث عن عمل، وبدأت تتحدث مع جزائريين ومع أصحاب متاجر آخرين. عُرِضَ عليها عدد قليل من الوظائف في مجال تقديم الطعام، وعندما بات طهيها موضع تقدير تم تعيينها طباخة لتحضير الطعام السوري، وهي ما زالت تعمل هناك حتى الآن. وتأمل فاتن أن تفتح مطعمها الخاص لكنها عاجزة عن فعل أيّ شيء أمام أسعار الإيجارات المرتفعة وحاجتها إلى رأس المال.
وهي غالباً ما تدعو أصدقاءها إلى الطعام والرقص معاً، وأخبرتنا كيف إن إحدى صديقاتها من الفرنسيات تقول الآن أنها تريد سماع أغنية "أوو أوو أوو" محاكية النغمة على هذا النحو بينما تنسى الكلمات، لكن فاتن تعرف بالضبط الأغنية التي تقصدها صديقتها.
وتقول فاتن إنها تتصرف بانفتاح مع أطفالها مما يسمح لهم بأن يعيشوا حياة فرنسية طبيعية، لكنها تتأكد من أنهم لا يخسرون لغتهم العربية. هي لا تريد أن يكونوا مختلفين تماماً عن أصدقائهم أو أن يعيشوا حياة مزدوجة وأن يخفوا عنها ما يقوم به المراهقون.
وعلى الرغم من أنها باتت تجد طريقة للتواصل مع أصدقائها الفرنسيين، لكنها تتمنى أن تتمكن من مواصلة دراسة اللغة حتى تتمكن من التواصل بسهولة وربما تكمل لاحقا دراستها. إنها تفتقد أسرتها وسوريا لكن ما حدث لزوجها، وما يمكن أن يحدث أيضاً لابنها البالغ من العمر 19 عاماً إذا ما عادت يوما لسوريا، جعلها تقرر أن فرنسا الآن هي موطنها.