تم اعتقال محمد خالد برو عام 1980 بسبب منشور ضبط بحوزته يعود لما يسمى "الطليعة المقاتلة" أو الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين، ورغم أن تلك المنشورات كانت تُوزع وتوضع سراً على أبواب بيوت مدينة حلب، اتهم محمد بالتكتم على معلومات، ونتيجة لذلك قضى 13 عاماً في السجن.
يقول محمد، "خرجنا من فرع المنطقة في مدينة دمشق عند الساعة الواحدة صباحاً، كان شعوراً لا يوصف، ورغم إدراكي أني ما أزال في بلد محكوم بالقمع، تنفستُ طعم الحرية وسرتُ في الشارع مع الناس بعد 13 عاماً من الاعتقال، وصلتُ الى مدينة حلب فجراً لأجد كل شيء تغير، من ملامح المدينة العمرانية، الى ملامح وجوه الناس الذين تركتهم أطفالاً لأجدهم رجالاً وسيدات".
لم يتلقى محمد ردات فعل سلبية أو عدم تقبل نتيجة سجنه السابق بتهم أمنيّة، بل على العكس من ذلك، يقول إن المجتمع كان ينظر للمعتقلين الإسلاميين نظرة تقدير وإجلال كأبطال كان لهم موقف مع الحق واجهوا به النظام، ولكن في المقابل كان ثمة خوف شديد من النظام يدفع البعض من الأصدقاء أو حتى الأقارب الى الابتعاد عن المعتقلين السابقين رغم محبتهم وتقديرهم لهم.
يقول محمد، "في أوائل التسعينات كان معظم الناس ينظرون الى المعتقلين كأبطال، ويكنّون لهم كل التقدير والاحترام، وكان كثير من الناس يعتبرونهم مرجعيات للعائلة والأقرباء ويلجأون إليهم عند حدوث خلافات، لأنهم كانوا يرون أن المعتقل يمتاز برجاحة العقل والخبرة والثقافة".
لم ينقطع محمد خلال سنواته الخمس الأخيرة في السجن عما كان يدور في العالم الخارجي، فقد قضاها في سجن صيدنايا حيث يُسمح للموقوفين بالاستماع الى الراديو وقراءة الصحف والتعامل مع آخرين من تيارات متنوعة إسلامية ويسارية وغيرها، هذا الانفتاح والتواصل مع الآخرين عزز من مقدرة سجناء صيدنايا على التأقلم مع الحياة بسهولة بعد الإفراج عنهم، على عكس تجربة سجن تدمر الذي قضى فيه محمد 8 سنوات، ووجد أن الفارق بينه وبين الحياة الطبيعية يقاس بالسنوات الضوئية.
لم تفرز سنوات السجن الطويلة أي حالة تطرف أو رغبة في الانتقام لدى محمد، فهو يرى أن النزعة للانتقام تشوه الانسان وتتركه في حالة قلق وعذاب دائم، أما التسامح فهو قيمة نبيلة يترفع بها الإنسان عن الأحداث الصعبة التي مرت في حياته، ولكن ذلك لم يغير نظرته السلبية تجاه النظام الحاكم الاستبدادي والقمعي كما يقول، "في تجربتنا لم يكن للطائفية مكان بيننا، في صيدنايا كان معنا مئات من المعتقلين العلويين فضلاً عن الشيوعيين والدروز والمسيحيين، كان النظام يعتقل العلويين حالهم كحال بقية الطوائف، ولكنه كان يعذب ويستثمر في كل طائفة بطرق مختلفة".
مُنع محمد حتى العام 2000 من السفر خارج القطر، وكان عليه مراجعة الأفرع الأمنية مرة في الشهر على الأقل، الى أن سمح له بالسفر من خلال واسطة كبيرة، ولكن بشرط، أن يأخذ إذناً من الجهات الأمنية قبل أي سفر، وأن يراجعهم قبل المغادرة وعند العودة حتى يشرح لهم أسباب خروجه وماذا فعل ومن التقى وما الى ذلك.
يقول، "كان عناصر الأمن يذهبون الى أماكن عمل المعتقلين السابقين ليتحرّوا عنهم، ما قد يسبب في فصلهم نتيجة خوف أرباب العمل من المسؤولية، كانوا يتصلون بي فجأة ليخبروني أنهم قادمون لزيارتي في البيت، يسألون عن كل شيء، حتى عن علاقة الشخص بزوجته، في الحقيقة لم يكن كل ذلك يتم صدفة أو بشكل عفوي، بل كان لإيصال رسالة مفادها أننا عبيد عندهم، وتحت مراقبتهم، يستطيعون دخول بيوتنا متى شاؤوا، ويتدخلون في كل تفاصيل حياتنا، حتى لا نجرؤ على التفكير بمعارضة النظام".
التحقَ محمد بعدة دورات تدريبية في مجال الكمبيوتر والمحاسبة بعد خروجه من السجن، ثم عمل محاسباً في شركات تجارية لنحو 7 سنوات، ثم افتتح مركزاً لبيع وصيانة أجهزة الكمبيوتر عمل به حتى عام 2000، حينها انتقل الى دمشق وعمل في مجال التسويق حتى غادر البلاد عام 2012 بعد سوء وتوتر الأوضاع نتيجة اندلاع الثورة السورية.