بدأ اهتمام محمد خماسي بالاقتصاد إبان الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، حيث أثارت المصطلحات الاقتصادية المتداولة بكثرة آنذاك فضوله، ورغب بمعرفة أسرار عالم الاقتصاد والمال رغم أنه كان متأثراً بنظرة المجتمع ووجهة النظر السائدة التي ترى أن الاختصاص الناجح يبقى محصوراً في مجالات الطب والهندسة والقانون، ولذلك جعل من الاقتصاد مجرد اهتمام حتى أنهى المرحلة الثانوية، حينها بات محتاراً بين دراسة الاقتصاد وهندسة الكمبيوتر، ولكنه أقنع نفسه أخيراً ودرس علم الاقتصاد في الجامعة الأمريكية اللبنانية في بيروت، ثم نال درجة الماجستير في نفس الجامعة.
يقول محمد، “نظرة المجتمع السلبية تجاه الاختصاصات الأخرى المغايرة للطب والهندسة والقانون دفعت الطلاب للابتعاد عن تلك المجالات، فتصوير الطبيب بأنه منقذ للبشرية والمهندس بأنه مخطط ومنظم للحياة والمحامي بأنه المدافع عن المظلومين كان له أكبر الأثر في نفوس الآباء، إضافة لسعي أولياء طلاب الطبقة الوسطى لتعليم أبنائهم اختصاصاً مضموناً يؤمن لأولادهم ولهم أيضاً العيش الكريم ويضمن تحسين مستواهم بحسب زعمهم، مع العلم أن كثير من الطلاب فشلوا في تحصيل شهادات التخرج وما زال أهاليهم واقعين تحت تهديد القروض المصرفية وكل ذلك بسبب الجهل، ولكني اكتشفت لاحقاً أن هذه النظرة خاطئة كلياً وأن لبنان الذي لا يعتبر بلداً صناعياً لديه القدرة على استيعاب كافة التخصصات، وأنه ثمة كثير من المجالات التي يمكن العمل بها”.
ويتابع القول، “أعتبر نفسي محظوظاً لأنني عرفت أهمية واتساع مجال الاقتصاد وهو ما لم يدركه الكثيرون، تعلمت هذا من خلال دراستي ومن الحياة العملية أيضاً، فالطلب على خريجي الاقتصاد يتوزع بين النطاق الخاص بالتحليل والاستشارات الاقتصادية أو النطاق الدولي كمهنة مستشار للدولة أو خبير اقتصادي أو محلل للبيانات العامة، إضافة لمجالي التعليم والبحوث”.
عمل محمد بعد التخرج في شركتين تجاريتين لفترات قصيرة، إحداها في قسم الأبحاث الاقتصادية، حيث تشجع في البداية للعمل، ولكنه تفاجأ بأن مهمته انحصرت في نقل الأرقام لوضعها في الجريدة، كما كان ممنوعاً من إبداء رأيه حول أسباب تغير هذه الأرقام، وكان الرد يأتيه بأن حدود عمله تتمثل في نقل الأرقام فقط، وفيما يخص التقدم الوظيفي، يقول محمد أنه كان مبنياً في الغالب على أساس طائفي، ومع مرور الوقت ومعرفته بخفايا الأمور داخل الشركة من تأخير في الترفيع وزيادة الرواتب وانتشار المحسوبيات وعدم تشجيع المهارات، قرر أن العمل الوظيفي في لبنان لا يناسبه وأنه بحاجة لسلاح مختلف وهو الدراسة في الخارج.
يقول محمد، “الدراسة في الخارج ليست مجرد تحصيل لشهادة من بلد أجنبي، بل هي عبارة عن سنوات خبرة نكسبها في مراكز أبحاث أو في مشاريع أو في التعليم الجامعي، فنتيجة لخبراتي التي يمكن اكتسابها في الخارج سأعتبر أي مشكلة تصادفني في لبنان صغيرة مقارنة بما اختبره، إضافة إلى ما أرجوه من اكتساب الاحترام الاجتماعي والمكانة العلمية وتخفيف مواجهة مظاهر المحسوبيات والطائفية وذلك من خلال تأسيس عملي الخاص”.
ويتابع القول، “مرحلة دراسة الدكتوراه في الجامعات اللبنانية عموماً ليس لها برنامج تعليمي يغطيها بشكل كاف، وهي لا تتطرق سوى لبعض جوانب الاقتصاد السياسي مثل تخفيض الدين العام والتجارة العامة وتأثير المناخ السياسي على العلاقات الاقتصادية، كما أنه لا يوجد مراكز أبحاث متخصصة، يضاف الى ذلك أنه ثمة تفضيل لحملة شهادة الدكتوراه من الخارج”.
يعمل محمد منذ بضعة أشهر في التدريس بالجامعة اللبنانية الأمريكية، حيث حصل على فرصته عن طريق المصادفة، ففي الوقت الذي لا تقبل فيه معظم الجامعات اللبنانية توظيف الخريجين الجدد الذين لا يمتلكون خبرة عمل، تعد الجامعة اللبنانية الأمريكية من الجامعات القليلة التي لاتمانع ذلك كما يقول، حيث توظف عوضاً عن أحد الأساتذة في الجامعة الذي كان ينوي ترك العمل ورشح اسمه من بين المتقدمين لمعرفته بقدراته العلمية وخبرته.
يرغب محمد أن يغير أفكار طلابه حول أهمية اختصاصهم وأن يساعد في توسيع آفاقهم، خاصة أنهم قادمون من مناطق ريفية في جنوب لبنان، وهي مناطق مشبعة بأفكار خاطئة وبحاجة لتغيير وإصلاح جذري، وعلى هذا النحو يحاول دائماً أن يبين لهم مجالات العمل المتنوعة في السوق اللبناني من خلال تجاربه وما عايشه على أرض الواقع، في حين استطاع بدوره اكتساب خبرات منهم من خلال معرفة بعض الصعوبات والقيود التي تواجه جميع فئات المجتمع.
يرى محمد أنه ثمة تغيير في متطلبات سوق العمل اللبناني، ولكن أغلب الفرص غير موجودة بسبب تهاون الحكومة اللبنانية في تطوير المجال الاقتصادي وضعف إمكانيات الأفراد، إضافة إلى أن الوصول لمثل هذه الفرص يستلزم أن يكون الشخص مدعوماً من قوى أو أفراد معينين لديهم نفوذ في الدولة، فكل كتلة حاكمة في لبنان لا تعين في مؤسساتها إلا أشخاصاً تابعين لحزبها.