محمد مالك داغستاني

احد مقابلات حزمة: سِيَر سورية,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: تركيا
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

"تعلّمتُ كم هي رخيصة حياة المواطن السوري في فروع الأمن، فالضرب فيها مميت والمصادفة هي من تبقيك حياً".

محمد مالك داغستاني، من قرية دير فول بريف حمص، ومن أصل داغستاني، نشأ وترعرع بين حيي جورة الشياح والخالدية في مدينة حمص. حصل مالك على الشهادة الثانوية عام 1977، وبدأ في تلك المرحلة الانخراط في الشأن السياسي سيما ما يخص القضية الفلسطينية مع ثلة من أصدقائه الفلسطينيين في حمص.
انتسب مالك الى كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، وفي تلك الفترة بدأ يشعر بعدم قدرته على الاستمرار في النشاط الفلسطيني، نظراً لطبيعة سياسة وعمل الأحزاب الفلسطينية تحت قبة الأنظمة، فترك العمل في الشأن الفلسطيني عام 1980. عمل مالك خلال دراسته كمبرمج كمبيوتر في الشركة السورية للشبكات، كان من أوائل الذين خاضوا ذاك المجال التقني، كما تزوج زميلته في الجامعة وهو طالب في السنة الأخيرة، ثم التحقَ بعد التخرج بالخدمة العسكرية الإلزامية، وبدأ في تلك الفترة يتجه نحو حزب سياسي معارض يدعى "حزب العمل الشيوعي"، والذي يوصف بأنه تنظيم سري خطير وممنوع.
أنهى مالك خدمته العسكرية عام 1985، وعاد للعمل في الشركة السورية للشبكات- فرع حمص، بدأ مالك يشعر بأنه غير مرتاح ضمن صفوف الحزب التنظيمية الصارمة وأنه سيكون أكثر فائدة إن عمل خارج نطاق الأحزاب، وعلى هذا النحو، استقال من الحزب ولكنه بقي على علاقة طيبة بزملائه السابقين.
في عام 1987 قرر النظام السوري تصفية حزب العمل الشيوعي من خلال حملة طالت الآلاف من اليساريين والمثقفين السوريين، لم يشعر مالك بالقلق من ذلك، كونه استقال منذ نحو عامين، ولربما يتم التحقيق معه أو يعتقل لبضعة أيام في أسوأ الأحوال، وبالفعل اعتُقل مالك من قبل فرع الأمن العسكري بمدينة حمص بناءً على طلب من فرع فلسطين في دمشق. يقول مالك: "أوقفت في حمص لمدة ثلاثة أيام، كانت كفيلة بأن أنقل إلى دمشق حافي القدمين من شدة التعذيب الذي واجهته، تعرفت على الكهرباء، الدولاب، قلع الأظافر، والأهم ذلك كله تعلمت كم هي حياة السوري رخيصة في فروع الأمن، فالضرب فيها مميت ولكن المصادفة هي من تبقيك حياً".

مع انتقاله الى فرع فلسطين في دمشق، أصيب مالك برعب شديد نظراً لفكرته المسبقة عنه بأنه مسلخ بشري، لكن تبين له فيما بعد بأن تقنيات التحقيق فيه كانت أقوى وأذكى، والتعذيب النفسي فيه أشد وأقوى من الجسدي. كانت زنزانة مالك عبارة عن غرفة صغيرة دون حمام أو مرحاض وتضم 56 معتقلاً، حيث يضطر المعتقلون للتعايش مع الروائح الكريهة بسبب منعهم من الاستحمام إلا فيما ندر. يقول مالك: "في تلك الفترة لم يكن ثمة أية اعتبارات طائفية في سوريا، بل كان الطابع السوري هو الغالب على جميع فئات المجتمع، فمثلاً شكّل أبناء الطائفة العلوية نحو 50 في المئة من نسبة المعتقلين في الفرع، فضلاً عن الاسماعيليين والدروز والمسيحيين والأكراد".
احتُجز مالك في فرع فلسطين لمدة خمسة أشهر ثم تم تحويله في شباط عام 1988 الى فرع التحقيق العسكري المختص بتوزيع المعتقلين للسجون، كان نصيب مالك ورفاقه أن يرسلوا الى سجن صيدنايا بريف دمشق، والذي كان قد افتتح حديثاً وعرف عنه أنه أخف وطأة من سجن تدمر العسكري. يقول مالك: "في سجن صيدنايا كان الوضع مريحاً الى حد ما، فكل ما على المعتقل تنفيذه هو احترام قوانين السجن فحسب، كانت طريقة العقاب مضحكة، حيث يتم توزيع المعتقلين الشيوعيين على زنزانات الإخوان المسلمين أو العكس، إضافة لعقوبة تسمى الباب الأسود وهو مكان منعزل يحبس فيه المعاقَب".
تلقّى مالك أول زيارة لعائلته بعد مرور ثلاث سنوات، استطاع خلالها رؤية ابنته الكبرى التي التي صارت بعمر السابعة، كما تسنى له التعرف على ابنته الصغيرة التي تركها وهي رضيعة في شهرها الرابع. كتب مالك خلال فترة اعتقاله وتحديدا في العام 1993 أولى رواياته التي أطلق عليها اسم "دوار الحرية"، والتي نشرت بعد تعديلها عام 2002، وكتب رواية أخرى لم تنشر بسبب رفض الجهات الرقابية، كما حاول مالك الاستفادة من فترة سجنه قدر المستطاع، حيث تعلم اللغة الانكليزية من رفاقه، وطالع كثير من الكتب، كما عايش تجارب غنية مع زملائه الذين ابتدعوا آلات موسيقية وأقاموا عروضاً مسرحية من المواد المتاحة لهم.
وبعد ثماني سنوات، انتهت مدة الحكم، وكما جرت العادة أُحيل مالك لفرع فلسطين باعتباره المسؤول عن إخلاء سبيل المعتقلين، وبقي فيه لمدة خمسة أشهر ونصف توفي خلالها أحد رفاقه بعد إصابته بالسل. أفرج عن مالك ورفاقه عام 1996، ليجدوا أنفسهم لأول مرة على تماس مباشر مع الخارج، حتى لاحظ أحد الحراس ارتباكهم فأرشدهم إلى الطريق. يقول مالك، "توجهت الى منزل أحد أقاربي، واتصلت بالبيت فأجابت ابنتي الصغرى، وعندما أفصحت لها عن هويتي صرخت وجرت لتخبر ابنة الجيران بأن لديها أب أيضاً".
واجه مالك صعوبة في تأمين عمل بسبب تجريده من حقوقه المدنية، فلم يكن ثمة مجال للعمل في الدولة، كما واجه خوف أرباب العمل من تشغيل معتقل سابق، ما دفعه للعمل الحر الخاص. كتب مالك في عدة صحف ومواقع الكترونية وعمل كمراسل لصحيفة "تايم ماجازين" وقام بعدة تحقيقات غير سياسية لصالحها. يقول مالك، "أكثر ما عانيت منه هو العودة للحياة الطبيعية، فضلاً عن المراقبة الأمنية الدائمة والاستدعاءات المتكررة إلى فروع الأمن، والتي لم أتجاوب معها أبداً".