درس محمد كامل موسى حتى الصف الخامس الابتدائي ثم ترك المدرسة رغم معارضة أهله الشديدة لذلك، ليبدأ ممارسة العمل وهو في الحادية عشرة من عمره. يقول، “كنت ما أزال في المدرسة حين كان أخي يذهب الى أسواق بيروت القديمة لبيع أمشاط الشعر ولصاقات تغليف الهويات الشخصية، كنت أرافقه وأتعلم منه البيع، وعندما وعيت قليلاً في عمر الرابعة عشرة قررت تعلم مهنة النجارة”.
ويتابع القول، “نجحت مع إخوتي في العمل بمجال النجارة، وعمّرنا بناءً سكنياً وتقاسمنا شققه، واستمرينا في العمل الى أن نشبت الحرب الأهلية في لبنان، حينها قررت السفر الى ألمانيا، فتزوجت وسافرت مع زوجتي وعشنا هناك نحو 13 عاماً”.
وصل محمد الى مدينة ميونخ الألمانية بعد رحلة طويلة في البر استمرت 18 يوماً، تقدم بطلب لجوء إنساني، وبعد فترة بدأ العمل في مجال البناء وخاصة في ترميم الكنائس القديمة باستخدام حجر القرميد، ثم انتقل للعمل في جريدة ألمانية كسائق سيارة نقل لمعدات الطباعة، يقول، “في البداية واجهت صعوبة في التأقلم مع البيئة الاجتماعية المختلفة عن بيئة لبنان، وبخاصة مع وجود حاجز اللغة، ولكني استطعت تخطي ذلك وأتقنت اللغة الألمانية خلال عامين تقريباً”.
ويتابع القول، “لم أتعرض لأي تمييز عنصري كوني مهاجر من بلد عربي، ولم أشعر يوماً بأني غريب عن البلد، فالشعب الألماني شعب راق ويحترم حقوق الإنسان، والمهم هناك هو احترام القوانين وعدم مخالفتها”.
رزق محمد بثلاث بنات، وبعد أن كبرن قليلاً قرر العودة الى لبنان، حتى يعشن في بيئتهن وبين أهلهن حيث الروابط الاجتماعية أقوى، وهو الأمر الذي افتقده في المهجر.
عاد محمد للعمل في مهنة النجارة لبعض الوقت، ثم اشترى سيارة أجرة “تاكسي” وبدأ العمل كسائق. يقول، “بعد اغترابي لسنوات طويلة وعودتي للعمل بالنجارة، وجدت صعوبة بتجميع الزبائن وبناء علاقات جديدة، فاخترت العمل كسائق تاكسي للاستفادة من الضمان الاجتماعي لأولادي، والذي يحق لي من خلال تسجيل لوحة السيارة، فضلاً عن طبيعة العمل المريح الذي يوفر مردوداً يومياً جيداً”.
استطاع محمد بعد 18 عاماً من عمله كسائق تأمين متطلبات عائلته وتدريس بناته الثلاث في الجامعة، يقول، “كان حلمي وشرطي الأساسي لبناتي أن يحصلن على شهادات جامعية قبل الزواج، لأن سلاح الفتاة في الحياة هو العلم، لتستطيع العمل والاعتماد على نفسها في حال فشلت في تجربة زواجها”.
يتحدث محمد عن بعض الصعوبات التي يواجهها في عمله الحالي، وخاصة بعد النزوح السوري الى البلاد، يقول، “ازداد عدد سائقي سيارات الأجرة بسبب عمل السوريين في المهنة، ما قلل من العائد المادي واضطرنا لزيادة ساعات العمل، ولكن يجب علينا تقدير ظروف السوريين الصعبة ومساعدتهم، إذ لا ذمب لهم فيما تعرضوا له في بلادهم، والحمدلله المهم أن الأمور مازالت جيدة ولست بحاجة الى أحد”.
ويتابع القول، “ومما زاد من عدد سيارات الأجرة، قيام كثير ممن تقاعدوا من وظائفهم بشراء التاكسي من خلال التعويضات المادية التي حصلوا عليها، حيث رغبوا في العمل بمجال حر ومستقل دون الالتزام بدوام محدد كما في باقي الوظائف، فضلاً عن المردود المادي الجيد لهذه المهنة.
يرى محمد أنه يجب على سائق التاكسي التحلي بالأخلاق الحميدة والصبر تفادياً للمشاكل التي قد يتعرض لها خلال عمله، يقول، “أواجه يومياً كثيراً من الأشخاص أو السائقين قليلي الأخلاق، ولكني لا أكترث لهم وأتجنب المشاكل قدر الإمكان، فقد تعلمت في ألمانيا التعامل مع الناس بمرونة واحترام وصدق”.