يخبرنا مهندس الحواسيب محمد* وهو من ريف إدلب ومقيم حاليّاً في اللاذقية عمّا يحدد هويّته، فيقول:
هو اللاعنف والإنسانيّة بالمطلق، وهي موضوع لا يتجزّأ بالنسبة لي؛ سواء أكان الموقف السياسي لي أم لغيري، وهذا الموضوع مفصول عن أيّ شيء آخر. موضوع التقسيم الطائفيّ الدينيّ والعرقيّ عرفناه بعد 2011 بدأنا نعرف أنّ هناك تفاصيل أكثر، أمّا بالنسبة للموضوع القوميّ فأنا بالنسبة لي في الوقت الحالي سوريّ فقط، وتمثلني القوميّة السوريّة فقط. وبعد الصراع لم يعد شيء يجمعنا.
وعن تأثير الهجرة على الهويّة يقول السيد محمد:
الهجرة ستؤثر على الهويّة السوريّة بالتأكيد، اليوم كل ممن هاجروا لديه _من وجهة نظري _ نوع من الارتباط بالهويّة السوريّة أكبر من ارتباط من هم في الداخل؛ بسبب الأزمات المعيشيّة المتلاحقة التي تحدث، المهاجر مثلاً ليس لديه أزمة كهرباء،أو أزمة بنزين غاز مازوت خبز… ، هذا الموضوع وحده يجعلك تكره الوطن وتكره كل شيء ينتمي للوطن، أنت مستعدّ أن تبيع كلّ المبادئ وكلّ الانتماءات التي عندك؛ مقابل الخدمات التي تطمح لها، الوضع المعيشي الخارجيّ بالنسبة للمهاجرين، أفضل من هنا من ناحية التأثير على الهويّة،بالتأكيد الهويّة تغيّرت وتأثّرت بشكل كبير اليوم.
ويتحدث السيد محمد عن مشكلات الهويّة في الداخل السوري فيقول:
أنا من إدلب، وهذا الموضوع كان عبء كبير بكلّ مكان في سوريا _عدا إدلب _، اليوم مكتوب على هويتك إدلب؛ فأنت موسوم وسم، أنت طرف إرهابيّ، وصار الموضوع عكسيّ في حماة؛ هنا الغالبية من أهل حماة المدينة هم من المعارضين، ينظرون لكلّ قادمٍ من إدلب باتجاه حماة على أنّه العكس تماماً، أي أصبح الوسم عكسيّ؛ (أنتم شبيحة، أنتم تركتم إدلب ونحن نبعث أولادنا لإدلب، أهالي حماة معظمهم راح لإدلب وأنت قادم لهنا؟…) لقد عانيتُ الكثير في هذه القصة، حتى ضمن حلب، رغم أنّ إدلب وحلب منطقتين متقاربتين، وكان كلّ أهل إدلب يتواجدون بحلب دائماً، دون أي تمييز. أنا كشخص لا أؤمن بالنظرة العامّة؛ كوني أملك أصدقاء من كلّ الطوائف والأديان والأعراق، وأنا علاقاتي الشخصيّة معهم أكثر من أخويّة، حتى أنّهم السند الحقيقي لي.
وأخيراً يحدثنا السيد محمد عن دور العادات والتقاليد في مسيرة الهجرة، فيقول:
بالنسبة لموضوع العادات والتقاليد فبالتأكيد الاختلاف جذريّ،فحلب وحماة تتفقان بالعادات والتقاليد تماماً، وأنا بالنهاية من بيئة مسلمة، فالعامل الديني فيه تقارب شديد بين حلب وإدلب وحماة، كونهم كلّهم من كيان واحد؛ بالمقابل في اللاذقية الموضوع مختلف جداً، عادات وتقاليد مختلفة جداً، كمثال: في حلب إذا أردت نوع من المشروبات الكحوليّة أيّاً يكن ستجد ذلك في محلات وحارات معيّنة لمكوّنات محددة، بينما في اللاذقية بأيّ مكان تمشي فيه هذا الشي موجود وطبيعي جداً، موضوع رمضان مثلاً؛ يفاجئني جداً أنّه باللاذقية أو بالساحل عموماً لا تشعر بأي طقس من طقوس رمضان والصيام، وكوني أصوم عادةً لكن ليس لدي مشكلة مع من لا يصوم، لكن هناك أشخاص يحبّون طقوس رمضان بشكل عام، في مدن الساحل لايوجد رمضان، بالنظر للخلفيّة الدينيّة لمدينة حماة من الممكن أن تشعر بهذا الأمر أكثر من إدلب؛ فمثلاً إن كنت لا أنوي الصيام وأردت أن آكل فمن المستحيل أن تصادف في حماة أي محل طعام خلال النهار، على عكس إدلب، اليوم الموضوع يختلف بين حماة واللاذقية أنّ هاتين المحافظتين تحديداً طرفين متطرّفين جداً، بموضوع اللباس بحماة مثلاً من غير الممكن أن ترى امرأة إلا بالنقاب الكامل، بينما في اللاذقية الموضوع مختلف. اليوم في حماة هناك مقولة بأنّه لم تخرب حماة إلا بعد أن جاء أهل ادلب والرقة.
واختتم السيد محمد حديثه عن الهويّة السوريّة بالقول:
أنا مؤمن بالإنسانيّة، وأنا نادم على اتخاذ موقف سابق؛ اكتشفت لاحقاً أنّ الحياد والرماديّة هي الصح، هي الشيء الوحيد الذي من الممكن أن ينقذك من كلّ شيء لاحقاً.
لا أريد التعلّق بهذا المكان.
* اسم مستعار بناءً على طلب صاحب القصة