ولد محمود أبو مستو في مدينة الزبداني بريف دمشق عام 1943 لعائلة فقيرة تعمل بالزراعة، وضمن مجتمع متخلف تسوده الخلافات والمشاكل التي أدت في إحدى المرات الى وقوع عدة قتلى بسبب مشاجرة بين عائلتين، وعلى إثر ذلك الوضع انتقل محمود مع أسرته الى مدينة صيدا اللبنانية، وأقاموا هناك نحو عامين حتى هدأت الأوضاع في منطقتهم.
وبعد عودتهم إلى الزبداني، اضطر أهل محمود للسكن في بستان خالته ثم عملوا في حقول أحد الإقطاعيين وسكنوا في غرفة بناها والده من الحجر والطين. يقول محمود، "أغلب الأهالي كانوا يعيشون في حالة فقر مدقع ويقتاتون على التمر، وكان ميسورو الحال يعدّون على الأصابع".
ويتابع القول، "كانت الروابط الاجتماعية بين الأهالي المسلمين والمسيحيين الذين يشكلون ربع السكان وثيقة جداً، كانوا يتبادلون الزيارات والسهرات ويتزوجون من بعضهم البعض ويتميزون جميعاً بلهجة خاصة يصعب على الغريب فهمها، في وقت كانت فيه أحياء المنطقة مقسمة بحسب العائلات لكل عائلة حي مخصص لها".
شكلَتْ الزبداني مركزاً لما حولها من مناطق، كان فيها دار للحكومة تضم المحاكم ومقر "القائم مقام"، وكانت تشتهر بزراعة الخضار والفواكه وخاصة التفاح.
عانى سكان المدينة من الكبت والتضييق الأمني نظراً لوجود فئة مثقفة على دراية بحقوقها وواجباتها، وتنتقد الحكام الذين توالوا على الحكم ابتداءً بشكري القوتلي ووصولاً الى جمال عبد الناصر أيام الوحدة مع مصر، والذي عمل أتباعه على كبت الأهالي وأنشأوا ما يسمى "مكتب ثاني" وكان عمله استخباراتياً.
يقول محمود، "بدأت الفئة المثقفة في الزبداني مع بعض أعضاء حزب البعث في بداياته (حين كان الحزب نظيفاً) بعقد لقاءات سرية ينتقدون فيها الفئة الحاكمة، وفي عام 1969 بدأ حزب البعث يأخذ منحى طائفياً من خلال تطويع طائفة العلويين في الجيش، فانقسم الحزب داخلياً إلى جناح يميني وآخر يساري مما دفع بالبعض أن يتخذوا موقفاً منه ومن الأحداث التي كانت تجري في البلاد ويبتعدوا عن متابعتها أو الخوض فيها".
مال محمود بأفكاره إلى الجناح اليميني لحزب البعث الذي تمثلت رؤيته بتوحيد كامل الوطن العربي وتجسد ذلك بوجود قيادة قومية للحزب، في حين اقتصرت أفكار الجناح اليساري على الجانب السوري متمثلاً بالقيادة القطرية التي عملت مستقلّة ودون الرجوع للقيادة القومية، وأصبحت فيما بعد الفئة الحاكمة في البلاد، وتألفت من الطائفة العلوية بقيادة حافظ الأسد الذي كان وقتها وزيراً للدفاع وقام بانقلاب عسكري على الرئيس أمين الحافظ الذي اعتقل مع مجموعة من رفاقه بسبب محاولته إبعاد عدد من ضباط الحزب اليساريين.
نشط محمود بالعمل السياسي آخذاً صف الجناح اليميني للحزب، واجتمع مع اليساريين وحاورهم عدة مرات ليصبح لاحقاً من المطلوبين أمنياً، فاضطر للإقامة في لبنان لحين صدور عفو عن أمين الحافظ وعقده مؤتمراً قومياً في لبنان عام 1968، كان أحد أهم أهداف المؤتمر عمل انقلاب في العراق، وتم ذلك فعلاً فسافر محمود برفقة نحو 300 سوري كقوة داعمة بناءً على تعليمات القيادة القومية ليلتحقوا بمعسكرات التدريب في العراق، كانوا جميعاً من المؤهلين دراسياً وعسكرياً وكان الهدف من تدريبهم هو إصلاح حزب البعث المنشقّ إلى جناحين والانقلاب عليه في حال عدم التجاوب، علماً أن الرئيس الأسد لم يكن يملك وقتها علاقات دولية بعد، ولم تكن إزالته من الحكم بالأمر العسير.
بعد أربعة أشهر من التدريب انكشف التنظيم الذي انتمى إليه محمود واعتُقلت قياداته في سوريا وشبت الخلافات بين المتدربين الذين توزعوا بين من انضم للجيش العراقي ومن عمل تحت إمرة القيادة القومية، ما دفع بمحمود للتفكير بالعودة إلى لبنان ليستطيع الالتفات لعائلته ووالديه. تسلل محمود لاحقاً من لبنان إلى الزبداني فتمت ملاحقته، ولكنه أنكر كل الادعاءات التي وجهت إليه، وعاهد نفسه لاحقاً بعدم العودة للنشاط السياسي خوفاً من جبروت النظام. يقول في ذلك، "عدت لممارسة نشاطي الطبيعي وتزوجت من زوجة أخي المتوفى واحتضنت أولاده بعد أن شعرت أني ملزم بذلك أمام المجتمع، وتحفظت على موضوع سفري إلى العراق الذي لم يعلم به سوى زوجتي وأولادي لاحقاً".
بقي محمود تحت رقابة الجهات الأمنية بسبب الشكوك حول نتائج انخراطه السابق في الجناح اليميني لحزب البعث، واستمرار التساؤلات حول حقيقة سفره إلى العراق في فترة إقامة معسكرات التدريب، ما دفعه للتنقل بين لبنان والزبداني على مدى سنوات.
في عام 1980 سافر محمود الى السعودية لتحسين ظروفه المادية واستطاع بعد عامين من العمل أن يشتري قطعة أرض يعتبرها ثمرة عمله وكده، فاستصلحها وبنى فيها خزان مياه اسمنتي للسقاية، وشكّل نجاح مشروعه دافعاً للعديد من السكان ليحذوا حذوه ويستغلوا أراضيهم التي كانت مهملة، ولكنه تعرض مجدداً للمضايقات الأمنية والمساءلة خوفاً من احتمال انتمائه لجماعة الاخوان المسلمين.