درس مفتاح حمد الشارف في كليّة الطيران الإيطالية بين عامي 1960 و1964، ثم عاد إلى ليبيا لينضم إلى القوات الجويّة، وأثناء حرب 1967 توجّه بطائرته من دون إذن إلى الجزائر على أمل أن ينضم إلى المقاتلين في مصر، لكن خطّته لم تنجح وعاد إلى ليبيا في ديسمبر وحُكِمَ عليه بالسجن لمدّة ست سنوات.
يقول “قضيتُ السنة الأولى في سجن باب العزيزية، ثم انتقلتُ إلى سجن المعتقلين السياسيين في جديدة. لم يكن معتقلاً بل أشبه باستراحة، إذ كانت الزيارات مسموحة في أي وقت، وكان للمتزوجين غرف خاصة للقاء زوجاتهم وعائلاتهم، وكان أمامنا أراض كبيرة مخصّصة للتنّزه، وأحسنوا معاملتنا، لا أعتقد أن هناك سجناً أفضل من ذاك في العالم سواء كان سياسياً أو غير ذلك“.
تمّ إطلاق سراح الشارف بعد يوم أو اثنين من انقلاب 1سبتمبر 1969 الذي أطاح بالملكية وسيطر القذافي خلاله على الحكم. عاد إلى القوات الجويّة لكنه استقال بعد ثلاثة أشهر لرغبته في العمل في الخطوط الجويّة التجارية، ولكن رئيس القوات الجويّة رفض استقالته.
يقول مفتاح “كنت أنوي تقديم استقالتي مرة أخرى لكن كان عليّ أن أنتظر لفترة من الوقت، لأن القذافي كان مسافراً إلى مصر لمقابلة عبد الناصر وأردت أن أكون هناك“؛ شكلت طائرة (الجيت ستار) التي خصّصت لكبار الشخصيات والتي كان القذافي يستخدمها في السفر دافعاً للشارف الذي أراد أن يجرّب الآلة الأمريكية الجديدة.
يقول “قررتُ أن أقدّم استقالتي في نهاية الرحلة إلى القذافي مباشرة، لكن تمّ اعتقالي بعد يومين من عودتي من مصر لتورّطي بمؤامرة كان يقودها وزير الدفاع آدم حواز ووزير الداخلية موسى أحمد الحاسي، تمّ اتهام ثمانية وعشرين شخصاً في هذه القضية، لكنني كنت الوحيد الذي اتهم بالامتناع عن الإدلاء بالمعلومات، فتمّ الحكم عليّ بالحبس لمدّة عام واحد. ووفقاً للقانون العسكري تعتبر مدّة الحبس والمعاملة فيه أقلّ قسوة من مدّة السجن، بعد مرور عدّة أشهر على إصدار الحكم، اجتمعت لجنة جديدة لمراجعة القضية برئاسة سليمان شعيب، عديل القذافي، ولم أتفاجأ، فهذه هي عادة الديكتاتوريين. أعتقد أن عبد الناصر حذّر القذافي حين رآني برفقته إلى ضرورة الانتباه من المقرّبين منه، أو من الذين يشكّلون تهديداً محتملاً له” .
لذا كان هذا الأخير يسعى إلى التخلّص منهم. ارتفعت مدّة حكم الشارف من سنة إلى ثلاث عشرة سنة من دون أي تفسير أو تهم. يقول الشارف “كان دور اللجنة قراءة قرار القذافي فقط، وأكّد لي مدير مكتبه السابق حسين الصديق حين كنّا في السجن معاً أن القذافي كتب الأحكام في ذلك الوقت بنفسه بالحبر الأحمر”.
على الرغم من إصدار الحكم، قضى الشارف ثمانية عشر عاماً في السجن حتى أطلق سراحه في مارس عام 1988 خلال الفترة التي عُرِفَتْ بــ “أصْبَحَ الصُّبْح”. يقول “كان لا بدّ من إطلاق سراحي بموجب القانون بسبب حسن السلوك عام 1979، أي بعد مرور 9 سنوات على سجني، لكن ذلك لم يحدث، وقضيت فترة حكمي كاملة حتى العام1983 . بعدها أرسلت عدداً من الرسائل في هذا الصدد، ولم تتمّ الإجابة على أي منها”.
تمّ وضع السجناء الذين انتهت مدّة سجنهم سوياً في قسم واحد، وكان الشارف عند ذلك في سجن أبو سليم إلا أنه قضى اثني عشر عاماً في سجن الحصان الأبيض (الذي عرف لاحقاً بإسم الحصان الأسود). يقول الشارف “مرّت السنوات الثلاث الأولى في سجن الحصان الأبيض على ما يرام، إلى أن حاول أحد السجناء أن يهرّب قصيدة إلى الخارج، فتمّ منع جميع الكتب وأجهزة الراديو ووسائل الترفيه. كنّا معتادين على الطبخ لأنفسنا فتمّ منعنا من هذا أيضاً“.
ما أن تمّ نقلهم إلى سجن أبو سليم، حتى منعت الزيارات عنهم ولم يرَ الشارف أي صديق أو قريب لمدّة خمس سنوات تقريباً، يقول “كان يسمح لنا باستلام الطعام من عائلاتنا وبالزيارات الشهرية، لكن توقّف كل ذلك بعد انتقالنا إلى سجن أبو سليم”.