تقول منى وهي سورية مسيحية:"نشأت في بلد علماني، قبول الآخر هو الركيزة الأساسية في تنشئتي، إننا مؤمنون، لكن عندما تنشأ في منزل علماني فهذا يحررك من القيود غير الضرورية التي تمنع التواصل والانخراط مع الآخر".
لم تعش منى التمايز الديني الذي برز في سوريا في سبعينيات القرن الماضي، "قبل ذلك الوقت لم نكن نفرّق بين الأديان، لكن منذ أن ظهرت التفرقة بين الأديان بدأ الأمر يسوء"، قالت منى مشيرة أن سياسات الهجرة للدول الأوروبية في الستينيات كان لها تأثير كبير"، بدأوا يستقطبون السوريين المسيحيين كجزء من خطتهم لفصلنا عن مجتمعاتنا ومحو حضارتنا المشتركة". كما أنها تحمّل المهاجرين مسؤولية أيضاً، وتُصر على أن العديد من المهاجرين بقي منعزلاً ولم يتعامل بتسامح وانفتاح مع الآخر: "لا يرغب الكثير من المهاجرين في تقبّل هؤلاء الذين يستضيفونهم، ويريدون أن يفرضوا أساليبهم ومعتقداتهم ونمط حياتهم، وفي هذه الحالة علينا أن نعيدهم إلى بلدانهم". وقالت منى أن هذه العقلية لا تقتصر فقط على الطبقات العاملة. "بل حتى على المثقفين، فالتعليم لا يعني ذهنية منفتحة ولا تسامحاً، لا يوجد تفكير نقدي في العالم العربي، ولا في أنظمتنا التعليمية".
انتقلت منى إلى الكويت عام 1969 بعد أن تخرجت من جامعة حلب وحصلت على إجازة في الحقوق، وهناك حصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، وفي عام 1980 انتقلت إلى لندن مع زوجها وطفليها. تقول منى: "إن أول شيء صعقني هو وجود اليهود، إنهم موجودون بكثرة وقد كوّن أطفالي صداقات مع بعضهم في المدرسة، وبالنتيجة أنا أيضاً كونت بعض الصداقات معهم في حرم المدرسة ومن خلال عملي التطوعي مع المنظمات الإنكليزية". أرادت منى أن تغير قلوبهم وعقولهم كونها سورية متزوجة من فلسطيني: "كان مهماً بالنسبة لي إظهار الجانب الجميل من حضارتنا، لمواجهة الانحياز والتحريض السياسي، وهذا ما تطلب مني وقتاً كثيراً".
على الرغم من نشاطها الاجتماعي إلاّ أنها لم ترغب بأن يتأثر أولادها بتجربتها وأفكارها لهذا كانت تتجنب الحديث أمامهم في الأمور السياسية، "لكن ذلك أصبح أمراً محتوماً وخصوصاً بعد الانتفاضة". كان ابنها الكبير يبلغ الثالثة عشر في ذلك الوقت، كتب مقال تحدث فيه عن الظلم الواقع على الفلسطينيين، وقدّم المقال في فحص القبول العام للثانوية العامة، "استدعتني مُدرسته وكنت أظنّ أنها ستدافع عن ابني، لكن بدلاً من ذلك، أخبرتني كيف تمّ تعديل المقال". كان ثمّة خوف من وجهة نظره لذلك نصحت المعلّمة الطالب بكتابة مقال آخر خوفاً من اطلاع مُراقب سطحي على المقال وقد لا يفهمه جيّداً ويؤثر ذلك على قبوله في الثانوية. وقالت منى: أن هذا الموقف في الفصل السياسي كان له تأثير امتد طويلاً على تجربة ابنها وغيره من الطلاب في المدرسة، "كان هناك الكثير من الطلاب اليهود وكانوا يحتفلون علانية باحتلال العراق، والمدرسين لم يعتبروا ذلك خطأ. كان هذا مؤلماً لأطفالنا، لقد أثّرت السياسة على تجربتهم".
لم تجد منى صعوبة في الاندماج حيث قالت أنها كوّنت بعض الصداقات مع البريطانيين: "لم يكن لديّ الكثير من الأصدقاء البريطانيين، لكن لديّ أصدقاء من إيرلندا ومن الجنسيات الأوروبية الأخرى، كما لديّ أصدقاء يهود، لكني أحببت التواصل مع الأشخاص المنفتحين أكثر، فالبريطانيين لم يكونوا كذلك وعلى أيّة حال لم يعد الكثير منهم يقيم في لندن".