نشأت *ميرا في حي شعبي على أطراف مدينة دمشق يدعى دمّر البلد، ولم تكمل دراستها بعد أن أخفقت مرتين في امتحان الشهادة الابتدائية.
كان عمرها خمسة عشر عاماً عندما أحبّت رجلاً يعمل لدى جارهم القصّاب ويكبرها بسنوات كثيرة. بدأت ميرا تخرج معه من وقت لآخر بعد أن وعدها بالزواج، وفي إحدى المرات غرّر بها واصطحبها الى بيته، فتم اكتشاف أمرها، مما أثار غضب ونقمة عائلتها عليها، وعلى إثر ذلك قرروا تزويجها بسرعة لتدارك الأمر الذي اعتبروه فضيحة لهم، فتزوجت من رجل أرمل لديه ثلاثة أولاد.
تقول ميرا إن زوجها كان رجلاً طيباً ولم يقصّر بحقها أبداً، ولكن أمّه كانت توجه لها الملاحظات والانتقادات باستمرار، وكانت تطلب منها أن تصلّي وترتدي الحجاب، وفي أحد الأيام عرفت حماتها بقصتها القديمة مع حبيبها السابق، فأخبرت زوجها بذلك فطلّقها فوراً وعادت الى بيت أهلها.
تزوجت ميرا مرة أخرى على عجل بضغط من أخيها الذي كان صاحب القرار بعد وفاة والده ومسايرة أمه المريضة له. كان زوج ميرا الثاني يحبّ السهر في النوادي الليلية أو ما يسمى "الكباريه"، وحاول استدراجها مرارًا الى تلك الأجواء، الى أن أقنعها أخيراً بالعمل كراقصة في أحد الملاهي الليلية بمدينة دمشق.
تقول ميرا، "دخلتُ الكباريه أول مرة برفقة زوجي بعد أن ألحّ لكي أسهر معه. أذكر أني شربت يومها للمرة الأولى في حياتي وحتى الثمالة، في تلك الليلة لفتَ نظري لباس الراقصة ذو اللون الأزرق الداكن والتطريز الذهبي، فقلت لزوجي أني أريد أن ألبس مثله وأرقص له في البيت، وفعلاً ذهبنا في اليوم التالي الى السوق واشترينا بذلة للرقص الشرقي ورقصت له".
بقيت ميرا تتردد على الكباريه بإلحاح من زوجها الذي صار يطلب منها أن ترقص لبعض رفاقه الذين يشاركونهم السهر، طالباً منها أن تغضّ النظر في حال تمادى أحدهم بالتعامل معها بحجة أنه ثمل ولا يعي ما يفعل، وفي إحدى المرات ذهبت ميرا مع زوجها الى بيت رجل كان معهم في السهرة، فخرج زوجها بحجة شراء القهوة تاركاً إياها مع الرجل الذي حاول التحرش بها، هربت ميرا منه وأخبرت زوجها بما حدث ولكنه لم يأبه كثيراً للأمر، فعرفت حينها أن لزوجها نوايا سيئة مبيتة تجاهها.
لجأت ميرا بعد تلك الحادثة الى أهلها ولكنها لم تلقى الدعم منهم، فعادت مع زوجها الى البيت. لم تكن ميرا راضية عن تصرفات زوجها الذي كان يجبرها على حضور السهرات في الكباريه أو في بيت أحد أصدقائه، حتى حاولت في إحدى المرات الهرب الى بيت عمتها ولكن الأخيرة لم تستطع استقبالها لمدة طويلة بسبب رفض زوجها، فاضطرت ميرا أخيراً الى الرضوخ لمطالب زوجها واتفقت معه أن تعمل كراقصة في الكباريه ولكن بشرط عدم حضور السهرات الخاصة التي تقام في البيوت.
تقول في ذلك، "في الفترة الأولى لم أكن ارقص وحدي على المسرح، حتى أتعلم وأكتسب الخبرة الكافية للرقص منفردة، كنت أخاف من مواجهة الجمهور وأشعر بالخجل، الى أن تعودتُ على الأمر مع مرور الوقت، وسعيتُ لبناء اسم لامع في هذا الوسط، فكوّنتُ علاقات مع أشخاص مهمين لأضمن حماية نفسي في حال تعرّضتُ لمضايقات أو مشاكل أو اعتقال".
تصف ميرا روّاد الكباريه بأنهم من الرجال المقتدرين أو الفنانين أو أصحاب النفوذ في الدولة، يحدد لبعض هؤلاء (وخاصة الشخصيات المهمة منهم) سهرة خاصة خلال الأسبوع، يطلبون فيها راقصة محددة ونظام معين للسهرة.
أما عن بنات الكباريه فتقول، "كان ثمة فتيات عملهن محدد بالجلوس ومسامرة الزبائن، إضافة للراقصة التي تقدم وصلات الرقص الشرقي برفقة راقصتين متدربتَين، ثمة أيضاً بعض الفتيات اللواتي يترددن على الكباريه للتعرف على الرجال، فإذا كان الزبون الذي تتعرف عليه إحداهن يدفع جيداً أو إذا استطاعت إدخال زبائن جدد، يُسمح لها بالتردد على المكان، أما في حال عدم المنفعة المادية من وجودها في المحل يتم منعها من الدخول".
تعرّضَت ميرا للاعتقال مرات عدة بتهمٍ تتعلق بالدعارة، ولكنها كانت تستطيع أن تتدبر أمورها وتخرج بعد بضعة ساعات من توقيفها من خلال علاقاتها الجيدة ببعض الشخصيات النافذة في البلاد.
بعد مسيرة سنوات من العمل، رغبت ميرا بإنجاب طفل لكن زوجها رفض الفكرة، ولذلك اضطرت أن تجهض حملها مرات عدة قبل أن تصّر آخر مرة على الإنجاب، فلم تُخبر زوجها بحملها إلا في فترة متقدمة، وفعلاً أنجبت بنتاً.
تقول في ذلك، "عاشت ابنتي معي خلال عامها الأول، ثم فضّل زوجي أن يرسلها الى أهله في مدينة ديرعطية بريف دمشق كي لا تنشأ ضمن المناخ الفاسد الذين نعيشه. كنت أزورها من وقت لآخر، حتى قررت أخيراً أن أُحضرها لتعيش معي وأن أترك الرقص نهائياً وخاصة بعد أن استطعت جمع مبلغ كبير من المال يمكنّنا من بدء حياة جديدة. رفض زوجي الأمر وهددني بحرماني من رؤية ابنتي، فهددته بدوري باللجوء الى القضاء والضغط عليه من خلال الشخصيات النافذة التي أعرفها، عندها طلب مني أن أذهب الى بيروت لإحضار ما قال إنها أغراض تخصّ شخصية هامة، وفي طريق عودتي من لبنان تم توقيفي بتهمة تهريب المخدرات وسُجنت لمدة خمس سنوات، ومنذ ذلك الحين لم أعلم عن ابنتي شيئًا غير أنها سافرت مع أهل زوجي الى مكان ما".
عملت ميرا كراقصة لنحو عشر سنوات الى أن دخلت السجن، تقول عن تلك الفترة، "لو لم يحاسبني المجتمع على خطأ ارتكبته وأنا في عمر المراهقة، لما مررتُ بتلك التجربة القاسية، ليتني بقيت مع زوجي الأول الذي كان يحبني وعشنا معاً حياة طبيعية".
تم استخدام اسم مستعار للراوية بناءً على طلبها*