تعرّفنا ميلانه شرف (46 سنة) من السويداء، والتي تعمل معلمة رسم، على رؤيتها للمجتمع السوري قبل الحرب من جانب التعايش السلمي، قائلة:
كنت أرى أن هناك تعايشاً بين الفئات المختلفة الموجودة بكثرة في سوريا، وكانت تلك الفئات تتعايش معاً، لكن لم يكن هناك احتكاك قوي فيما بينها، مثلاً كان زوجي يعمل في محل تجاري، وكنا نتواصل مع تجار مختلفين وكانت العلاقة جيدة بيننا وحتى بعد توقف العمل بقيت العلاقة قائمة اجتماعياً بشكل مستمر وجيد، كان التجار من محافظات مختلفة وأطياف دينية متنوعة، ولم يكن ذلك يشكل لنا أي عائق. وكذلك كنا نرى الطلاب في الجامعات وقد كسروا ذلك الشيء، كان هناك تعامل حسن وصداقات عاشت وتطورت بين أطياف مختلفة في سوريا، لكني كنت أراها محدودة، وليست قوية، حسب التعاون، لم نكن نحن نسعى لها، إلا أن تلك الصدقات حين تحدث، كنّا نتواصل.
وترى ميلانه أن تعريف السلام حسب اعتقادها هو المحبّة، وتضيف:
السلام هو العيش معاً، ليس أن نتعايش، وألا نعترض على بعضنا، لا ننتقد الاختلاف، وأن ننظر إلى هذا الاختلاف كشيء جيد، ليس من الجميل أن نكون جميعاً متشابهين بذات الصورة، اللوحة لا تكتمل إلا بألوانها، وأنا أرى أن السلام هو هذه الألوان المختلفة، والشعور بوجع غيرنا التسامح، الأمان، ألا أخاف من اختلاف غيري وألا يخاف غيري مني أيضاً، فقط لأني أختلف عنه، سواء بالدين، بالعرق، باللون، باللهجة أحياناً.
وعن رؤية ميلانه لبناء السلام لسوريا، تقول:
دائما نسمع عن إعادة الإعمار، وبرأيي ليس إعادة الإعمار هو في إعادة إعمار الحجر، إنما بإعادة إعمار أنفسنا، الأحداث دمرت الكثير في نفوسنا، وإذا كان هناك حواجز فيما قبل، فإن تلك الأحداث تركت حواجزاً أكثر اليوم، وأصبح لدينا صورة نمطية بشعة، وأعتقد أن تلك المشكلات التي حدثت يمكن أن يكون حلها الوحيد هو الحوار، بأن نتواصل ونستمتع لبعضنا البعض وأن نكسر تلك الصور لنمحيها، وأن نصلح ما نستطيع، إذا كان هناك ما يمكن إصلاحه، لأننا أحياناً نأخذ صوراً قد تكون مغلوطة حول الأحداث، دعونا نصلح، دعونا نكمل تلك الصورة الجميلة التي تتمتع بها سوريا.
أما كيف كانت ميلانه ترى دور المرأة السورية قبل الحرب، فهي تعتبر أن دورها كان مغيباً، وتشرح ذلك قائلة:
المرأة كانت مغيبة نفسها بنفسها، صحيح أن هناك ظروف من حولها وعادات وتقاليد تحد من تحركها، لكن هي أيضاً كانت تقبل بهذا، لم تكن تفعل شيء، كان كل همها فقط أسرتها الصغيرة، وبسبب انتقالها مثلاً مع زوجها من مكان إلى آخر، كانت تنقل ثقافتها، رغم أنها لم تسعى إلى ذلك، كان يحدث تبادل ثقافات بين النساء، وكانوا يقمن بما يشبه كسر الصورة النمطية وهي لم تسعى لذلك إنما كان لها دور بهذا المجال، ومن أبسط الأشياء التي لم تكن المرأة تقوم بها، أنها لا تهتم بمتابعة نشرة الأخبار وبالتالي لم تكن تسعى لتعرف ما يحدث حولها في العالم، لم تكن تعرف أن هناك حقوق لم تحصل عليها، إن رضاها بما وصلت إليه يترك عليها الحق في عدم تطوير ذاتها.
وأخيراً ترى ميلانه شرف أن دور المرأة السورية اليوم قد تغير، وتؤكد:
بسبب الظروف التي مرت بها والتجارب التي خاضتها، لم تعد تقبل ألا تكون إنساناً مسؤولاً عن كل شيء من حولها، ليس فقط عما يحدث في بيتها، وأصبحت ترى أحداث بيتها جزءاً من الأحداث التي حولها، وحتى ما يحدث حول العالم، ليس فقط في بلدها، إضافة إلى قضايا مجتمعية وسياسية وحقوقية. أصبحت تفكر بجدية في ذلك، وتسعى للحصول على معلومات عن طريقتها، اليوم بدأت تعرف المرأة أن لديها حقوق لم تحصل عليها بعد، وعدم حصولها على تلك الحقوق يسبب لها عائقاً. هي لم تعد تقبل اليوم أن ترجع للوراء، تريد أن تتقدم إلى الأمام. المرأة اليوم تطالب أن تعمل، ليس بسبب حاجتها للعمل وحسب، بل لأنها إنسان فاعل، مستقل ومسؤول.