تقول نتالي درويش ذات 23 عاماً: في المرحلة الثانوية بدأ رحلة البحث عن بلد للدراسة: "سافرتُ إلى روسيا لدراسة الطب بقيت هناك لمدّة سنتين، كان ثمة بعض المشاكل بخصوص اندماجي ولم يناسبني الوضع هناك فغادرت إلى ألمانيا". وصلت نتالي ألمانيا أواخر عام 2015 من أجل اللّجوء والدّراسة، وحدث قبل ذلك بقليل أن التقت زوجها السّوري مصادفة في مطار الكويت، ليكونا معاً في رحلة لجوء بعد تجربتها المريرة في روسيا وهي وحيدة، تقول: "الرّوس لم يكونوا يتقبلون السّوريين بشكل عام، الشعب هناك لا يتعاطى كثيراً مع الأجانب"، وتضيف أنه بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات في ألمانيا فإن الوضع "مختلف ويختلف من منطقة لأخرى، فليس الاندماج مع الناس سهلاً في جميع المناطق".
عندما وصلت نتالي إلى ألمانيا باشرت بنشاطٍ تطوعيّ للاجئين، وربّما أسهم ذلك في تكوين شخصية اجتماعية مختلفة وطموحة لديها، تقول: "عملت في المخيم الّذي كنت أقيم فيه في قسم الإسعافات الأولية، كما كنت أترجم للناس، فقد كنت أتقن الإنكليزية والروسية، وكنت أساعد كثيراً الأوكرانيين الذين كانوا في مخيمات اللجوء.
"صِرنا عمليّيّن أكثر" بهذه الجملة تصف نتالي حياتها في ألمانيا بعد أربعة سنوات من الإقامة هناك، وتضيف الشابة السورية التي عاشت حياتها في منطقة الخليج العربي، حيث ولدت ودرست: "أهلي غير متشددين نهائياً، هذا لباسي، هذه طريقة كلامي، هذا شكلي، لم يتغير شيء. رأينا الجميع في ألمانيا ينامون باكراً، دائماً في القرى ينامون أبكر والمحلات تغلق باكراً. لذلك تعلمنا منهم وصرنا ننام ونستيقظ باكراً".
وعن انطباعاته وتواصلها مع المجتمع الألماني، تؤكّد نتالي أن الألمان حين يلتقونها ويعرفون أنّها لاجئة سوريا يسألونها ماذا تعمل، وهي صحفية في مجلة عربية تصدر في ألمانيا، تقول: "تلقائياً عندما يعلمون بأن الشخص يقوم بعمل ما يشعرون بالراحة، ويصبح من الممكن أن يتحدثوا معه".
غيّرت نتالي مدن إقامتها في ألمانيا لأسباب عديدة، أبرزها رغبتها بالبحث عن مكان مناسب للدراسة وبناء العلاقات الاجتماعية، ومؤخراً "انتقلتُ إلى (بلاون) لأنني حصلت على مقعد دراسة العلاج الفيزيائي". ترعى نتالي طفلتها مع زوجها، وتعمل على تحصيلها العلمي، لكنّها ترى أن بعض اللاجئين السوريين كانوا قد "صدموا من طبيعة الحياة في ألمانيا، ومنهم من عاد إلى سوريا"، رغم ذلك لا تفكر هي بالخروج من ألمانيا حتى تنهي دراستها، حيث أنها قد تسافر بعقد عمل إلى الخارج، وتقول: "لكنني لن أترك ألمانيا نهائياً".
تعلّمت نتالي اللغة الألمانية بداية أثناء فترة إنجابها بالمشفى، وساعد ذلك بتواصلها مع المجتمع. بدأت تدرس وحدها إلى أن تجاوزت المستوى الذي أهّلها لدخول الجامعة، لكنّها شعرت بالقلق والحماس من تجربة الجامعة التي بدأت مطلع أيلول 2019، تقول: "لدي بعض المخاوف من فئة المراهقين الذين يدخلون الجامعة بعمر 18 عاماً وحتى العشرين ربما كانوا طائشين، فأخاف أن أواجه عقبات بسببهم كأن يكونوا عنصريّيّن معي، أو أن أتعرّض للسخرية لأنّني عربية فهذا الموضوع يقلقني، وبنفس الوقت أنا متحمّسة وسعيدة لأنني أتابع دراستي".
لم تتعرض نتالي لتميّيز عنصري، هي مسلمة لكنها غير متدينة لا ترتدي حجاب، تقول: "لي صديقة محجبة أخبرتني بأنها تحسّ بنظرات غير لطيفة تجاهها بسبب الحجاب"، وتعقّب بشأن حياتها الدينية في ألمانيا: "لا مانع أن أزور الكنائس وأرى ماذا يفعلون فيها في مناسبات مثل عيد الميلاد، لأتعرف إلى ديانات أخرى" حسب تعبيرها. من ناحية أخرى، تأسف نتالي لأن هامش الحريّة جعل البعض يغيّر علاقتهم بالدّين، وتروي عن التداخل التربوي الذي عاشه اللاجئين هناك فيما يخص المرأة، مثلاً، موضوع "عذرية المرأة" لا يزال "خطيراً جدًا في بلادنا" حسب قولها، على حين لا يشكل أهمية في المجتمعات الأوروبية، حيث تؤكد: "لذلك يخافون على البنات الصغيرات اللواتي لا يفهمن بعد ما هي العذرية والجنس، يخافون أنهن سيكبرن ويندمجن في المجتمع الأوربي".
تشتّتّ بعض عائلات اللاجئين السوريين في ألمانيا، حسب نتالي، لأن "النساء اللاتي كنّ يشعرن بظلم سابق من أزواجهن أو أنهن لم يأخذن حقوقهن في الحياة صرنا يطمحن للطلاق، ثمة أطفال جاؤوا إلى هنا بعمر المراهقة، مكثوا سنوات، وبعدها شعر هؤلاء أن أهاليهم لا يعجبونهم كثيراً"! لم تكن نتالي تعيش صعوبة ما في الغربة خصوصاً وهي تبني عائلتها، لأن تجربتها لعامين في روسيا كانت شاقة، عملت ودرست وحدها وهي ابنة 18 عاماً، تقول: "موضوع طفلي فقط وهو تجربة جديدة، ولكن أمي لحقت بي إلى ألمانيا سريعاً وساعدتني في الفترة الأولى".
وتعتبر نتالي أن مسألة تعلّم اللغة وتقبّل الحريات هو أكثر ما يعيق اندماج اللاجئين، وتشير إلى أن "المرأة لديها حقوق أكثر هنا، ثمة رجال لا يستوعبون هذه النقطة، فيقول مثلًا: لا يجوز لزوجتي أو ابنتي أو أختي الخروج والتنقل كما تريد"، مما سبب صدامات ومشاكل بين العائلات.