نشأ نور شماع في حي شعبي ذي بيئة محافظة في مدينة حلب، وبدأ يتردد على أحد المساجد لتلقي دروس في الشريعة الاسلامية وهو في سن الخامسة، وفي احدى المرات سأل الشيخ بطريقة عفوية عن ماهيّة الآية القرآنية التي تتحدث عن ملك اليمين من النساء، فوبّخه الشيخ على سؤاله، فتوقف نور عن حضور الدروس على إثر تلك الحادثة، لكنه بقي حتى بلغ أحد عشر عاماً على علاقة جيدة بالدين.
يقول نور، "كلما كبرت كنت أكتشف أن الحياة أكبر من تلك الأفكار التي يتحدث عنها الدين، وكنت أشعر أن الكون لم يتم خلقه بالضرورة لتلك الأسباب التي يطرحها الدين، ربما هناك حقيقة أخرى يجب علينا البحث عنها".
لم يكن نور معجباً بالمنظومة الاجتماعية التي نشأ بها، حتى إنه ترك المدرسة في المرحلة الثانوية بسبب شعره الطويل الذي لم يقبل أن يقصّره أسوة بباقي التلاميذ، ما أدى لفصله من المدرسة، لكنه تقدم لاحقاً لامتحان الشهادة الثانوية الحرة دون الالتزام بالدوام المدرسي.
يذكر نور أنه كان شغوفاً بالمسرح منذ الطفولة، وأنه خاض أولى تجاربه على خشبته وهو في عمر الرابعة عشرة.
عندما بلغ السابعة عشرة، قرر نور أن يعيش مستقلاً عن عائلته. كانت تلك تجربة غريبة عن المجتمع المحافظ الذي نشأ به، حيث لايعيش الشباب عادة بمفردهم إلا بعد الزواج.
أقام نور بادئ الأمر في حي الميدان بمدينة حلب، كانت المنطقة منفتحة نوعاً ما كونها ذات طابع مسيحي كما يقول. "كنت بحاجة لامتلاك مكاني الخاص الذي لا أتعرض فيه لأي نوع من الضغوط، كنت أبحث عن الحرية والاستقلال المادي والمعنوي بعيدا عن العائلة".
رفضت عائلة نور فكرة إقامته خارج المنزل، لكن مع مرور الوقت بدأوا بتقبل الموضوع. يقول، "أذكر أول مرة جئت فيها برفقة صديقتي وشريكتي بالسكن لزيارة بيت أهلي، كانت الصدمة كبيرة عليهم، وكانوا ينظرون اليها بنظرات ريبة وقلق، لم أكن أعرف هل يجب علينا أن نبقى أم يجب أن ننسحب، ولكن الأمور مضت على مايرام، حتى إن صديقتي بقيت في بيت أهلي نحو شهرين الى أن تعودوا على وجودها وباتوا يحبونها ويطمئنون عليها بعد مغادرتنا لهم".
يقول نور إنه لم يكن يعيش مساكنة حقيقية مع صديقته، بل كان يستقبل جميع رفاقه الذين يأتون لزيارته، وكان من الممكن أن يستقبل صديقته لتقيم معه لفترة طويلة، حالها كحال أي من أصدقائه الآخرين.
لم يكن ذلك الوضع مستساغاً حتى في الأحياء ذات الطابع المسيحي، لذا كان نور يضطر دائماً أن يبرر ويشرح للجيران أن زواره هم من الأصدقاء، وأن لا شيء مريب أو يدعو للقلق يحدث في المنزل.
يقول نور، "كان البعض يتفهم نمط حياتي الخاص في حين كان آخرون يرفضون الفكرة تماماً، ما اضطرني للكذب أحياناً حول هوية أصدقائي أو صديقاتي، كأن أقول إن فلانة قريبتي أو ماشابه ذلك، ولذلك أجبرت على نقل مكان إقامتي عدة مرات في مناطق مختلفة بحلب".
بعد أن خاض نور تجربة العيش مستقلاً عن عائلته، كان عليه أن يعتمد على نفسه مادياً، ما اضطره للعمل بأماكن ووظائف كثيرة، حتى إنه عمل لفترة "حكواتي" في أحد المقاهي، فضلاً عن اشتراكه ببعض العروض المسرحية من وقت لآخر.
يعرف نور عدداً قليلاً من الثنائيات الذين خاضوا تجربة المساكنة في مدينة حلب، حيث كانت تلك العلاقات تتصف غالباً بالسرية تجنباً للاصطدام مع المجتمع المحيط.
يقول نور، "بعض الذين أعرفهم خاضوا تجربة المساكنة دون نية مسبقة لذلك، فقد يسكن الشاب لوحده ثم تنتقل حبيبته لاحقاً للعيش معه، في حين كان البعض يقومون بذلك لصعوبة الزواج من الطرف الآخر بسبب الاختلاف الديني أو الطائفي بين العائلتين والذي يحول دون الارتباط بطريقة تقليدية. أعرف شاباً مسلماً أقام مع حبيبته المسيحية لمدة ثلاثة عشر عاماً بسبب رفض الأهل والمجتمع لزواجهما قبل أن يهاجروا الى كندا ويتزوجوا هناك".
تعرض نور خلال تلك الفترة لضوائق مادية وغيرها من ضغوط الحياة التي كانت من الممكن أن تجبره على العودة الى بيت أهله ولكنه كان يرفض فكرة العودة مهما بلغت الظروف.
يقول نور، "غادرت المنزل بسبب نظرتي المختلفة للحياة، كان لدي تصور خاص لنمط حياة أريد أن أعيشه، وكان عليّ اثبات صحة وجهة نظري، وفي حال عدت للمنزل فهذا يعني أني فشلت في ذلك وأني لم أكن على صواب".
ويتابع القول، "شكل الحياة المختلف لايعني بالضرورة المساكنة مع احدى الفتيات، فالفكرة أبعد من ذلك بكثير وربما تتعلق أيضاً برفض سيطرة المجتمع أو الدولة على حرية الأفكار والتحديد المسبق لماهية الخطأ والصواب، أتكلم عن نمط حياة أستطيع أن أعبر من خلاله عن نفسي بحرية تامة بعيداً عن القوالب الجاهزة".