نشأت نور عويس في مخيم اليرموك للفلسطينيين جنوب مدينة دمشق، ودرست المرحلة الابتدائية والإعدادية في المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا". تتذكر نور المسيرات التي كانت تشارك فيها مع الطلبة في المناسبات الفلسطينية، كيوم القدس وذكرى النكبة أو احتجاجاً على أحداث آنية ساخنة تقع في فلسطين. تقول: "كنا نجوب شوارع المخيم وصولاً الى مقبرة الشهداء، تصحبنا فرق من عازفي الطبول والآلات النفخيّة، وكنا نردد أناشيد وهتافات تخصّ القضية الفلسطينية.. يا للعار يا للعار باعوا الأقصى بالدولار، وعندما نصل الى مقبرة الشهداء، كان الناشطون يبدؤون بإلقاء الخطابات الحماسية".
تقول نور إنّ تلك المسيرات لم تكن عفوية، بل كان يتم تنظيمها من قبل الأحزاب الفلسطينية في المخيم، مع انتشار عناصر تابعين لحزب البعث الحاكم في سوريا لمنع الطلاب من مغادرة المسيرة. وعلى الرغم من وجود نسبة كبيرة من السوريين المقيمين في المخيم، حافظ على صبغته الفلسطينية الظاهرة للعيان، حيث تنتشر صور للشهداء والقيادات الفلسطينية، كما تحمل الشوارع أسماء مدن وقرى وشهداء فلسطين.
كانت والدة نور تعمل في التدريس وتشجعها دائماً على مواصلة الدراسة والعمل بالقول، "نحن فلسطينيون، لا نملك عقارات أو أراضي، العلم هو سلاحنا الوحيد".
تقول نور: "أغلب نساء المخيم كنّ نساء عاملات ومنتجات، كثير منهن محجبات لكنه حجاب مع لباس عادي، كما يوجد كثير من النساء السافرات، فالطابع الديني المتشدد لم يكن موجود في المخيم".
بدأت نور بمخالطة سوريّي المخيم خلال مرحلة الدراسة الثانوية بعد أن انتقلت الى إحدى المدارس الحكومية، حيث إن مدارس الأونروا تختص بالتعليم حتى المرحلة الاعدادية المتوسطة فقط. تابعت نور دراستها الجامعية وتخرجت من كلية الحقوق في جامعة دمشق، وبعد انتهاء فترة التدريب على مهنة المحاماة عام 2009 بدأت رحلة العمل. تقول في ذلك، "بعد إنهاء الجامعة وفترة التدريب على المحاماة، بدأت مرحلة الاحتكاك الفعلي بالمجتمع السوري، عندها فقط علمت أني مواطنة من الدرجة الثانية".
تتابع القول: "كان الجميع يعرّفون عني كفلسطينية، عندها فقط كنت أتذكر أني لست سورية، كثير من الناس غيروا معاملتهم لي بسبب ذلك، كان العمل في أية مهنة مسموحاً لي حتى في الوظائف الحكومية، لم يمنعني القانون من شيء، لكن معاملة البعض هي التي كانت تمنعني".
عملت نور في عدة جمعيات سورية غير حكومية، ثم عملت لاحقاً مع الأونروا. تقول، "كنت سعيدة بعملي مع الأونروا، كنت أعمل مع المجتمع الفلسطيني وأحس بالانتماء لهذا العمل، حظيت بالدعم والتشجيع على العكس من عملي السابق، للأسف بعد أكثر من ستين عاماً على النكبة، لايزال الفلسطيني يعامل بفوقية وعنصرية". تذكر نور أن أهالي المخيم كانوا يعملون في الوظائف الحكومية، أو في المنظمات غير الحكومية كالأونروا، كما كان كثير منهم يعملون في المحلات التجارية التي انتشرت وشكلت أسواقاً تعتبر من بين أهم أسواق دمشق، ففي عقد الثمانينات والتسعينات شهد المخيم توسعاً في النشاط الاقتصادي مرتبطاً بحركة البناء أو في زحف رأس المال الدمشقي إليه، باعتباره منطقة نامية عمرانياً وسكانياً وتؤمن هامشاً من الربح أكبر مما تؤمنه الأسواق التقليدية في العاصمة، فتحول المخيم إلى سوق تجاري وخدمي له وللمناطق المجاورة والمحيطة به.
تتحدث نور عن تغيّر بعض المظاهر والعادات الاجتماعية مع مرور الوقت في المخيم كالأعراس التي كانت مختلطة. تقول: "أصبحت حفلات الزواج عندنا أقرب الى أعراس الدمشقيين، حيث يتم فصل الإناث عن الذكور في صالات مختلفة، في حين بقيت اللهجة الفلسطينية حاضرة في المخيم، إضافة لارتداء العقال الفلسطيني وبعض الرموز كالقلادات على شكل علم فلسطين وغيرها".
وبالنسبة للوضع الأمني في المخيم، تصفه نور بأنه لم يكن مثالياً لكنه كان جيداً، حيث تحصل أحياناً بعض المشاكل والمشاجرات التي يستخدم فيها السلاح الأبيض، لكن هناك رجال أمن ومخفر للشرطة، وتتم عادة محاسبة المجرمين والمشاغبين، فالحكومة السورية هي المسؤولة عن الوضع الأمني للمخيم أما القيادات الحزبية الفلسطينية فليس لها علاقة بذلك، وعموماً لا وجود لمظاهر مسلحة داخل المخيم.