أنا هديل، عمري 21 سنة، من سورية دمشق، جئت إلى السويد عام 2014 وحالياً توشك إقامتي أن تتجاوز السبعة أعوام. لقد وصلت عن طريق الهجرة غير الشرعية، وراجعت دائرة الهجرة، فأخذوني لأعيش في "كامب" للقصّر لأن عمري كان دون 18 عاماً، ومن هناك بدأت حكايتي.
بصراحة لقد فكرت بالهجرة بسبب خطر الحرب، وكنت أعتقد أنه لن يكون لي مستقبل في بلدي في هذا الوقت، فمن المستحيل ذلك بظل الحرب، لهذا تكونت فكرتي الأولى عن ضرورة الهجرة. دخلت المدرسة لتعلم السويدية، ولم يكن معي هناك عرب نهائياً، فأنا العربية الوحيدة في هذا الكامب، وساعدني الاختلاط بالناس الذين يعملون في هذا المكان بتعلم بعض المفردات حتى أتمكن من التواصل معهم، وفي الوقت نفسه كنت أتعلم في المدرسة اللغة السويدية. عشت هنا دون أهلي لمدة ثلاثة سنوات، وهذا الشيء أيضاً أعطاني دافع أكبر كي أتعلم وأرتب أموري في هذه البلد الجديد. وبالتأكيد كان هناك أشخاص كانوا يعملون في الكامب، لديهم شغف لتعليم القادمين الجدد إلى مجتمعهم، وكانوا مسرورين بوجود ثقافات جديدة تدخل إلى مجتمعهم.
بعد ذلك قامت الدائرة الحكومية المختصة، بتوزيع القصر على عائلات سويدية لترعاهم، وكان من نصيبي
عائلة لم أختارها ولم تختارني فالتوزيع كان تلقائياً، وقالوا لي: أن هذه العائلة ستكون بمثابة أهل لك. ولما التقيت بالسيدة كان أجمل شيء أنها لم تكن تريد أن تشعرني أنه لقاء رسمي، فاقتربت مني واحتضنتني وقالت لي: أنا سأكون سعيدة جداً بوجودك معي، وستكونين بمثابة ابنة لي، وأنا متحمسة جداً للتعرف عليك، والتعرف على المكان الذي جئت منه وعلى ثقافتك وعاداتك. هذا الشيء جعلني أشعر بارتياح كبير لأنها كسرت جميع الحواجز التي من الممكن أن تكون بيننا.
كانت تهتم بي بشكل أستطيع أن أصفه بأنه جميل! خصوصاً عندما تحدثت لها أن ديانتي الإسلام، ونحن لدينا أعياد وشهر رمضان، فكانت تذكرني بكل تلك المناسبات، لدرجة أنها كانت تقصد مخزن عربي كي تشتري لي كثير من الأشياء لرمضان، حتى لا أشعر بفقدان هذه الأجواء. كانت تمر أيام كثيرة تؤجل فيها تناول الطعام في منزلها حتى يحين موعد الإفطار في رمضان لنأكل معاً، وفي الأعياد كنا نذهب معاً إلى السوق لشراء ثياب جديدة لتشعرني بأجواء العيد.
إضافة إلى ذلك، جعلتني أتعرف على عادتهم وتقاليدهم، كنت أقضي عندهم وقتاً طويلاً، وكانت تجلس هي وزوجها تتحدث لي عن الأعياد الموجودة في السويد، وما هي الأشياء التاريخية وما هي معتقداتهم التي يؤمنون بها. هذه المرأة لعبت دوراً كبيراً في حياتي الجديدة، لقد وقفت إلى جانبي حتى تجاوزت 18 سنة من عمري، علمتني كيف أتدبر أموري وكيف يجب أن يكون تفكيري عندما أعيش وحدي بعد سن 18، لقد علمتني أدق التفاصيل، مثلاً: كيف يجب أن يتم ترتيب الأمور المادية، وكيف نوفق بين الدراسة والعمل والبيت، وكيف يجب أن نشتري وما هي الأشياء المهمة التي يجب أن تكون في البيت. كانت معي خطوة بخطوة. وإلى الآن نحن أصحاب، وأنا أشعر أنها فخورة بي عندما أنجح في شيء بحياتي، كما أنها تهنئني بكل المناسبات مثل: رمضان والأعياد، فهي لم تنس مواعيدها.
إلى حد هذه اللحظة عندما تأتي إلى المنطقة التي أعيش فيها، نخرج معاً لتناول طعام الغداء، وتقول لي أنها شعرت بأنني مثل ابنتها، وأنه كان لديها فكرة مختلفة تماماً عن بلدي وعن عاداتي وتقاليدي وأنني غيرت لها نظرتها، ليس فقط أنا اندمجت بالمجتمع السويدي، حتى هي تغيرت كلياً نظرتها عن السوريين وعن عاداتهم وتقاليدهم. أنا أشعر أنه لولا وجود هذه المرأة لكان من الصعب عليّ الاندماج إلى هذه الدرجة، وأكيد لا يوجد أحد لا يندمج ولكن يحتاج وقتاً أطول، لقد وفرت عليّ الوقت وجعلتني أعرف الأشياء الصحيحة في التوقيت الصحيح. أشعر حقيقة أنها كانت عائلتي، كنت أستطيع التحدث إليها بأي شيء أريده، أحكي لها أي مشكلة، كانت تستوعبني وتسمعني وتجلس إلى جانبي تفكر بحلّ مناسب للمشكلة التي وقعت بها. وكانت تفاجئني بتقديم الأشياء التي أحبها، ففي عيد ميلادي أقامت حفلة كبيرة ودعت لها كل أصدقائي دون معرفتي، بالتأكيد هذه الأشياء أنشأت بيني وبينها رابطاً قوياً.
هي ليس لديها أولاد، وفي عيد الأم تذكرتها وأخذت لها كيك وهدية وذهبت إليها واحتفلت معها فراحت تبكي من الفرح، فهناك شخص لم تلده وليس ابناً لها استطاع أن يفرحها إلى هذه الدرجة، وباستطاعتي القول أن الرابط بيننا قوي جداً.
أنا هديل من السويد وهذه كانت قصتي.