أنا هيثم يوسف، عمري 55 سنة، غادرت سوريا عام 1989 وكنت أدرس في جامعة حلب السنة الرابعة كلية الحقوق، كان هدفي من الغربة هو رؤية العالم عن طريق العمل في البحر، وحققت هذا الحلم، ورأيت العالم فقد زرت 58 بلداً.
لم أكن أفكر أني سوف أطيل الغياب وألا أعود إلى سوريا، ولكن هذا ما حدث. كانت بدايات الغربة صعبة ولكن فيما بعد أصبحت الأمور أفضل، وتمكنت من المضي في حياتي وها أنا اليوم في اليونان، بلد أحبه كثيراً متأثراً بأساطيره، متأثراً بكتّابه الكبار، بمخرجيه وحياتهم. بعد عشرة سنوات من الإبحار، جاءتني فرصة الاستقرار في هذا البلد، كانت الصدفة أنهم فتحوا الإقامة لإصلاح وضع المقيمين غير الشرعيين، لكني كنت شرعي، وقد حصلت على تأشيرة رسمية، مع ذلك تقدمت بطلب الإقامة ووافقوا لي، ودار بي الزمن وحققت هذا الحلم القديم وعشت في هذا البلد.
كانت البداية صعبة جداً، لكن التقدم تم خطوة خطوة، فبعد 8 سنوات تزوجت من ابنة بلدي التي لحقت بي، وكانت هناك عائلة يونانية تعرفت عليها، مكونة من أم وابنتها، الابنة كبيرة قليلاً بالعمر، كانوا مقربين جداً مني وأتواصل معهم، وقررت أن أسكن بالقرب منهم في ذات البناء. وبعد أن حضرت زوجتي تعرضت لحادث سير، كان حادثاً كبيراً جداً، بقيت نحو 16 شهراً في الفراش، الحق يقال إنهم كانوا أهلي وسندي، لم يتخلوا عني، كانت زوجتي قد وصلت قبل شهرين تقريباً ولا تعرف اللغة، كانوا يومياً يأخذونها إلى المستشفى ثم يعيدوها ويهتموا بها كأنها ابنتهم، ولذلك لم أشعر أبداً بأي غربة بعيداً عن الأهل لأنهم كانوا أهلاً لي وأكثر من أهل.
الشعب اليوناني إجمالاً شعب مضياف محب لنا نحن السوريين، وحياتهم تناسب حياتنا كثيراً، لم أتعب أبداً بدخول مجتمعهم، كنت متأقلم معهم، وأعيش بينهم بأعيادهم واحتفالاتهم، ولم يشعروني بيوم من أيام أني غريب، ولم يتركوا مناسبة إلا وأهتموا بي بشكل مذهل. مجتمع رائع، بلد جميل جداً، يعني أن كل شيء كنت أحبه في هذا البلد، ولم أكن أتصور أنه سيفتح لي ذراعيه لهذا الحد. حالياً أنا أحمل جنسية هذا البلد، وسعيد جداً بانتمائي له، ولا أخفي إعجابي بالروح الاغريقية التي دخلت وسكنت روحي.
منظر مذهل كيف كانوا ينزلون إلى المرفأ عندما كان يأتي السوريين من السفن القادمة من الجزر، ويستقبلونهم ويأخذونهم ويحضرون لهم الطعام والبطانيات، وهذا من النادر أن تراه بأي مجتمع آخر في أوروبا، انهم شعب مضياف وجميل فقد عشت في مجتمعهم ولم أشعر بالغربة. وأنا أسمع من أصدقاء لي في دول أوروبية أنهم قد عانوا كثيراً، أنا الحمد لله لم اعاني. وعندما زارني أصدقائي الذين كانوا في أمريكا ودول أخرى "صعقوا" لطبيعة تفكير وحياة أهل هذا البلد. عندما تقدمت للحصول على الجنسية كانت الأسئلة دقيقة كثيراً، حتى يفهموا بالضبط طبيعة الشخص الذي يريد الحصول على جنسيتهم، وكنت ممتاز جداً بأجوبتي وتعاطي معهم. والآن أعيش ولدي ابن هنا باليونان يحمل الجنسيتين السورية واليونانية ولكنه لا يعرف سوريا، علمته اللغة العربية، يتحدث العربية جيداً، وبالفترة الأخيرة التي حدث فيها مشكلة "كوفيد 19" علمته العربية كتابة وقراءة، فيجب أن يشعره بالانتماء العربي، ولأني أعشق اللغة العربية فقد زرعتها في ذهن ابني. نحن نعيش هنا كأي أسرة عربية بعاداتنا وتقاليدنا التي نحافظ عليها في منزلنا، وفي خارج البيت ضمن المجتمع لدينا احترام للسكان ولآرائهم.
أرجع وأقول الحياة حلوة هنا، ولا نشكي من أي شيء، ويبقى المجتمع اليوناني أقرب مجتمع إلى مجتمعنا نحن السوريين، وطبيعة عقليتهم وطبيعة تفكيرهم وطبيعة حياتهم متماثلة مع ما لدينا.