نشأت وفاء محمد في مدينة سراقب بريف إدلب، وهي مدينة تشتهر بالمحاصيل الزراعية المتنوعة مثل الحبوب والزيتون والقطن، كما تتميز بموقعها الجغرافي بين طريقي حلب دمشق وحلب اللاذقية.
نشأت وفاء في كنف عائلة فقيرة مكونة من أربع بنات وصبي واحد، وأم مريضة وأب ضرير عاطل عن العمل، وبسبب تلك الظروف الصعبة، اعتادت أن تعتمد على نفسها منذ الصغر.
درست وفاء المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس سراقب، وكانت متفوقة وتميل نحو المواد العلمية، غير أن ظروفها المادية أجبرتها على اختيار الفرع الأدبي في المرحلة الثانوية، تقول وفاء، "أغلب الناس في سراقب يحبون العلم ويشجعون عليه ويعتبرونه أمراً مهماً وخاصة بعد العام 2000، حيث سادت عادة بين أوساط المجتمع وهي عدم تزويج البنت قبل أن تنهي دراستها الجامعية، حتى وصلت نسبة الخريجات الجامعيات في المدينة الى أكثر من 90 في المئة".
بعد إنهاء مرحلة الدراسة الثانوية توجهت وفاء الى مدينة حلب لدراسة الحقوق، وكانت تلك تجربتها الأولى خارج سراقب التي لم تغادرها إلا لزيارة مدينة إدلب التي تبعد نحو 20 كم فقط.
كانت وفاء ترغب بدراسة الشريعة الإسلامية ولكنها لم تستطع تحقيق ذلك لوجود كلية الشريعة في دمشق، ولذلك درست الحقوق في جامعة حلب ظناً منها أنه الفرع الأقرب للشريعة، لكن تبين لها لاحقاً أنه لا يوجد سوى بعض المواد المشتركة بين المجالين فيما يخص قانون الأحوال الشخصية.
عملت وفاء قبل وخلال دراستها الجامعية بعدّة أماكن في مجالات التمريض والسكرتارية وكمساعدة طبيب باعتبار أنها وإخوتها كانوا مسؤولين عن نفقات العائلة، وعلى هذا النحو، تخرّجت من الجامعة ولكنها لم ترغب بالعمل في مجال المحاماة لأسباب عدة، حيث كانت ترى أن عملها في التمريض هو عمل إنساني اعتادت عليه وعلى طبيعته وصعوباته أيضاً، كما أنها لم ترغب منذ البداية بممارسة المحاماة بسبب نظرة المجتمع السلبية تجاه المحامي على أنه كاذب وداهية ونصّاب، يضاف الى ذلك الصعوبات التي تواجه المرأة خلال عملها في المحاكم ووقوفها أمام القضاة الرجال، وهو الشيء الذي لم تفضّله لأنها غير قادرة ولا تملك المقومات أو الجرأة للقيام به.
كانت وفاء تشارك أيضاً في زراعة أرض العائلة التي تبلغ مساحتها نحو هكتارين، كانوا يعملون في الأرض بأيديهم لضعف إمكانياتهم وعدم قدرتهم على تشغيل من يرعى الأرض ويزرعها. تقول في ذلك، "كان أهالي المنطقة الواحدة يشتركون لاستئجار حصادة آلية في موسم الحصاد، وبعد الانتهاء من محاصيل المنطقة كاملة تنتقل الحصّادة إلى منطقة أخرى، وبعد الموسم يأتي بعض البدو الذين يسمون الغنّمة، يقيمون بيوت الشعر في مناطق الحصاد ويرعون الأغنام لحين نفاذ كل القش والتبن في الأراضي المحصودة، لينتقلوا بعدها الى منطقة أخرى".
في سراقب تناط مسؤولية الأعمال الزراعية والحصاد عادة بالرجال، وذلك على غير عادة سائر المجتمعات الزراعية المجاورة التي تعتمد على النساء في هذا العمل، وخاصة في العائلات الفقيرة غير القادرة على الاستعانة بالعمّال.
تقول وفاء، "سراقب ليست ريفاً بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هي مدينة ذات طابع ريفي، فيها نشاط صناعي وتجاري وزراعي، وتعتبرعاصمة للريف، الوافدون إليها أكثر من الوافدين إلى إدلب المدينة، يأتون من ريف إدلب وأرياف حمص وحلب وحماة نتيجة شهرة سوقها وبازار يوم الأحد الذي يبدأ من السادسة صباحًا وحتى ما بعد العصر، ويحتوي على كافة المنتجات والسلع".
وتتابع القول، "وبالنسبة للمرأة في سراقب، لم تكن محرومة من حقوقها، وكانت تتمتع بكامل حريتها، فلا تُجبر على الزواج أو تُمنع من الدراسة والعمل، وخاصة بعد انتشار الوعي بالحريات ومعرفة أصول الدين الصحيح وخطاب الشيوخ الذي صار يدعو الى منح المرأة حريتها وحقوقها".