لم تكن ولاء موسى راضية عن خطبتها منذ البداية لأنها كانت تُفضل أن تكمل دراستها الجامعية في كلية الأدب العربي، كما كانت تحلم أن تعيش قصة حب حقيقية ثم تتزوج وتؤسس عائلتها على هذا الأساس، لكنها وافقت على خطيبها الذي كان ابن صديق وشريك والدها من مبدأ المسايرة ونيل رضا الأخير.
كان خطيب ولاء متزمّتاً من الناحية الدينية، وحاول أن يفرض عليها ارتداء النقاب، وحاول أيضاً أن يفرض عليها قطع علاقاتها بصديقاتها غير المحجبات. استغربت ولاء من طلباته، فهي لم تلاحظ تزمته الزائد إلا بعد مدة من اللقاءات التي تمت بينهم والتي انحصرت في إطار الزيارات العائلية، وعلى هذا النحو، بدأت تشعر بحصاره لها عند خروجها من المنزل حيث أطّر علاقاتها الاجتماعية في نطاق ضيق يشمله هو وعائلتها فقط.
قبل حلول موعد الزواج بعدة أشهر فقط، فسخت ولاء خطبتها، وعاشت على إثر ذلك القرار فترة من المشاكل مع والدها امتدت لأشهر ووصلت حد القطيعة، الى أن اقتنع أخيراً بأن ذلك الشاب لم يكن مناسباً لها.
أحبّت ولاء زميلها في الجامعة، كان شاباً من محافظة أخرى وطالباً في مرحلة الماجستير. كانت ولاء تلتقيه داخل الحرم الجامعي فقط نظراً لطبيعة مجتمعها المحافظ في بلدة يلدا بريف دمشق، والذي يُحرّم أي علاقة بين الشاب والفتاة خارج نطاق الخطبة ومعرفة الأهل.
تقدمَ الشاب لخطبتها دون أن تخبر أهلها بسابق علاقتها معه، فرفضته العائلة لأنه كان مجرد طالب ولا يمتلك شيئاً من المقومات المادية للزواج.
تعرّضت ولاء لصدمة وحاولت أن تشرح لوالدها ظروف الشاب لكن دون جدوى، ورغم ذلك رفضت اقتراح حبيبها بالزواج عن طريق الخطيفة دون معرفة وموافقة الأهل، وأخيراً انتهت العلاقة بينهما عند هذا الحد.
مرّت السنوات بسرعة لتجد ولاء نفسها في سن الثلاثين وبلا عمل بعد أن تركت التدريس الذي مارسته لفترة وجيزة بعد تخرجها من الجامعة. كبر والداها وصارا بحاجة للمساعدة، في حين انشغل شقيقها بحياته الخاصة وزواجه وعمله.
تقدم لخطبة ولاء رجل أرمل في الخمسينيات من عمره ولديه أولاد وأحفاد، فرفضت فكرة الارتباط به من حيث المبدأ، حيث لم تكن ترغب في الزواج بأرمل لديه أولاد.
تقول في ذلك، "في مجتمعنا، اعتادت النساء على التدخل في خصوصيات الآخرين، يتحدثن عن أسباب تأخر الزواج والإنجاب ويتناقلن الأقاويل فيما بينهن، في مجتمعنا، الفتاة العزباء التي تتخطى الثانية والعشرين تسمّى عانساً".
عاشت ولاء عدة مواقف تظهر شفقة الجارات عليها، فعند أي حديث مع إحداهن تبادرها القول بجملة "لله يبعتلك ابن الحلال"، ما أدى بها للانعزال والانطواء على نفسها وتجنب حضور المناسبات الاجتماعية والأعراس، رغم محاولة والدتها اصطحابها معها علّها تنال إعجاب إحدى النساء وتخطبها لشاب من عائلتها.
ساءت حالة ولاء النفسية حتى بدأت تشعر ببعض الآلام الجسدية نتيجة العصبية والكبت وأصيبت بالقرحة المعدية وبدأت تحاسب نفسها على المراحل التي مرت بها، وفكرت بأنها لم تحسن التصرف إذ كانت دائمة الخجل وليست من الفتيات اللاتي يقمنُ بلفت نظر الشبان إليهن.
اليوم، ومع بلوغها السادسة والثلاثين، تؤمن ولاء بأن الزواج نصيب وبأن الله أراد بتأخير زواجها أن يصرف عنها زواجاً غير مناسب.
تقول، "مع مرور الوقت، تتغير المواصفات التي أريدها في زوج المستقبل، فالشاب الذي كان يمكن قبوله في مرحلة عمرية أصغر ربما لا أقبله الآن، وذلك بسبب التقدم في السن وزيادة الوعي، اليوم صرت بحاجة أكثر للحنان ولمن يحتويني ويفوقني نضجاً".
تتابع القول، "أتمنى أن ينضج المجتمع تجاه المرأة غير المتزوجة، لأن كلمة عانس معيبة وتشعرها بالنقص والعجز".