تخبرنا يارا الشحيّد، التي تعيش في لبنان، عن رؤيتها للمجتمع السوري قبل الحرب من جانب التعايش السلمي فتقول:
أنا سورية، ولكني أعيش في لبنان، واليوم مفهوم التعايش السلمي والعدالة، هما مفهومين مختلفين تماماً إذ أردنا البدء بالتعايش السلمي هو ألا يوجد فتيل نزاع بيني وبين جاري، وربما يكون هذا التعايش السلمي، جالساً على مفهوم فرز طائفي للمناطق. كما في لبنان، ما يعني عدم وجود احتكاك بيني وبين الشخص المختلف وبالتالي عدم حدوث نزاع بيني وبينه، وهكذا يكون التعايش السلمي، فارضاً نفسه جغرافياً. ربما يكون هذا التعايش قد فرض نفسه أمنياً، لأننا اليوم نعاني من كبت أمني، بطريقة تضمن عدم التنازع فيما بيننا، فالتعايش السلمي ليس بالضرورة أن يكون رديفاً لمفهوم السلام أو مفهوم العدالة.
وتتحدث يارا عن السلام من وجهة نظرها منطلقة من مقاربة مع مفهوم العدالة، حيث تقول:
مفهوم السلام والعدالة هما مفهومان مختلفان جداً، واليوم أي محاولة لبناء سلام، يجب أن تمر بمفهوم العدالة، لأن الصراعات التي مرّت على جثث النساء أو جثثنا نحن الذين سُجنا أو أولئك الذين قتلوا أو هجروا، يحتاجون نوعاً من العدالة، وهذه العدالة لها أشكال متنوعة، وليس بالضرورة أن تمر العدالة بمرحلة السجن أو العقاب، يمكن أن تكون فقط بالاعتراف أننا عشنا ضيم و حرب..إلخ، حتى نستطيع إقامة سلام مبني على العدالة مع التشديد على أن ما حدث سابقاً لن يُعاد أيضاً.
وعن رؤية يارا في بناء السلام، في سوريا، تخبرنا أن ذلك البناء:
يبدأ بفكرة أن من صنع الحرب لا يمكن أن يصنع السلام! فالخطوة الأولى ستكون بتنحي كل الأطراف التي صنعت الحرب، جانباً، وكل ضحايا هذا النزاع يجب أن يجلسوا على الطاولة ليتحدثوا عن كيفية تأثرهم بهذا النزاع، ويحدث بعد ذلك ما يمثل رد اعتبار لهؤلاء الضحايا جراء الحرب، والذين هم المدنيين بطبيعة الحال، ولنستمع منهم هم على وجه الخصوص كيف يحبون أن يعوضوا عن الأشياء التي عاشوها، وأن يقولوا هم رؤيتهم لبناء السلام. كل طاولة تسعى لبناء السلام، ولا يجلس عليها الناس الذين تأثروا بالنزاع، هي طاولة فضفاضة ولا معنى لها.
أمّا عن دور المرأة السورية في بناء السلام، تعتقد يارا أن المرأة السورية مثل المرأة العربية أو مثل باقي النساء في كل بلدان العالم من الأرجنتين إلى بولندا، هي أصلاً مغبونة بالنظام البطريركي الذي يدوس عليها كل يوم وبكل ممارسات الحياة، سواء كانت ممارسات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، ودور المرأة السورية كان مهمشاً وكان على الهامش داخل هذا المجتمع الذي يدعي أنه كان يعيش السلام، اليوم كانت مغبونة على الصعيد السياسي، وانتبه هنا، إن المشاركة السياسية التي تخوضها المرأة، لا تمثل المرأة السورية، بمعنى أنه لو لدينا وزيرة امرأة، فهي لا تمثل المرأة السورية، هؤلاء يسمونهم البرجوازية السياسية والتي هي بالتالي جزء من المنظومة البطريركية. نحن نريد تمثيلاً حقيقياً للمرأة ما بعد الحرب، يشبه تماماً هذه المرأة التي كانت ضحية هذه الحرب، فكان دورها مهمشاً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً بطبيعة الحال.
وأخيراً، ترى يارا الشحيّد أن دور المرأة السورية اليوم راح يتبلور في فرص، وتشرح قائلة:
هناك فرص في الحرب للمرأة، وكان لها فرص أن تقلب الطاولة، وأن تقلب مفاهيم الجندرة وتعطي مكتسبات للنساء سواء كانت مكتسبات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، وهذا رأيناه في عدة مبادرات، قادتها نساء من سوريا، مبادرات إنسانية أو مبادرات سياسية أو اجتماعية، وصرنا نرى أكثر المرأة السورية تحت وطأة الحرب ولأنها خسرت زوجها اضطرت للنزول إلى سوق العمل، فكان هناك عدة مكتسبات لهذه المرأة، ونحن غداً عندما نجرّب بناء السلام، سوف نحافظ على هذه المكتسبات بل وسوف نبني عليها لتكبر أكثر وحتى نصل إلى مرحلة يكون فيها عدالة جندرية مطلقة في سوريا.