زردشت محمد

احد مقابلات حزمة: سِيَر سورية,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: تركيا
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

النشاط السياسي للأحزاب الكردية منذ الثمانينات

ولد زردشت محمد عام 1969 في مدينة القامشلي التي يصفها بمدينة السلام والتعايش، حيث يقطنها خليط من العرب والأكراد والسريان والأشوريين، فضلاً عن بعض الأرمن والشركس.
في بداية سبعينات القرن الماضي، انتقل زردشت مع عائلته الى مدينة الحسكة لظروف عمل والده، كانت المدينة تعاني أوضاعاً صعبة، حتى إن الكهرباء لم تكن متوفرة للسكان، ومع ذلك عاش زردشت فيها طفولة مليئة بالذكريات الجميلة في حي تل حجر الذي يحاذي نهر جقجق، حيث كان يقضي جل وقته بالسباحة واللعب مع الأصدقاء.
يقول زردشت إن والده اختار له ولإخوته أسماءً كردية لم تكن رائجة حتى في المجتمع الكردي، مما يدل على الحس القومي المبكر لوالده الذي شارك في تأسيس أول تنظيم سوري كردي باسم "حركة الشباب الديمقراطي الكردي" عام 1957.
في أواخر الثمانينات، انتسب زردشت خلال مرحلة الدراسة الجامعية الى الحزب الديمقراطي الكردي، وهو الحزب الأكثر جماهيرية في الأوساط الكردية في تلك الأيام. يقول، "كانت تلك الفترة حيوية جداً، وكانت جامعة حلب تشكل بؤرة نشاط لمختلف القوى الحزبية، تعرفت على أحزاب عربية غير الحزب الشيوعي السوري وهو الحزب العربي الوحيد الذي كان له حضور في الحسكة، في تلك الفترة كان حزب العمال الكردستاني في بداية صعوده وكان بعض رموزه انتقلوا الى سوريا، ما شكّل تنافساً بينه وبين الأحزاب الكردية السورية في كسب قاعدة جماهيرية للشباب الكردي في الجامعات".
في عام 1988، انقسم الحزب الديمقراطي الكردي السوري، وبرز منه تيار يساري جديد بقيادة اسماعيل عمر، يقول زردشت، "تمثل الطرح الجديد للتيار المنشق، بأننا أكراد سوريون، وبالتالي فإن الحراك الكردي يجب أن ينطلق من قاعدة سورية، وإن قضيتنا هي قضية وطنية وحلها يجب أن يراعي الخصوصية للأكراد السوريين وأن يبقى ضمن الإطار الوطني السوري".
مثّل ذلك طرحاً جديداً للقضية الكردية، في ظل التعاطف العام تلك الأيام مع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بقيادة البرزاني والذي كان له تأثير قوي في نمو الوعي القومي الكردي، إضافة لتأثير حزب العمال الكردستاني وأفكار عبدلله أوجلان صاحب مشروع كردستان الكبرى الموحدة.
توافقت أفكار الحزب الجديد بقيادة اسماعيل عمر والمتواجد في الحسكة مع توجهات حزب العمل الكردي والذي كان قد انشق أيضاً عن الحزب الديمقراطي الكردي السوري، وكان مؤيدوه منتشرين في منطقة يعفور، فعمل الحزبان على توحيد الصفوف لبناء قاعدة جماهيرية متكاملة تضم الحسكة وعفرين، وفعلاً تتوجت اللقاءات بين الطرفين بإعلان نشوء الحزب الديمقراطي الموحد بقيادة اسماعيل عمر أيضاً.
يقول زردشت، "كانت الدولة السورية تغض الطرف عن تلك الفعاليات والحراك الحزبي، رغم معرفتها بكل ما يجري، ويكمن سبب ذلك بانشغال السلطات في ملاحقة جماعة الإخوان المسلمين، خصوصاً بعد الأحداث الدامية عام 1982، وبالتالي لم يرغب النظام بتوسيع نطاق المواجهة والاصطدام مع الأكراد الذين كانت تحركاتهم تتم في إطار سلمي".
في عام 1992، قامت القيادة المشتركة التي تضم الحزب الديمقراطي الموحد و بعض التيارات المنشقة عن أحزاب كردية أخرى بحملة كبيرة شملت توزيع ملصقات في جميع المناطق الكردية في سوريا، فضلاً عن مدن أساسية مثل حلب ودمشق، حملت تلك الملصقات بياناً يندد بالإحصاء الذي تم عام 1962 والذي كانت نتائجه حرمان آلاف الأكراد من الجنسية السورية.
يقول زردشت، "في عام 1962، قامت السلطات بإجراء إحصاء جائر للسكان في محافظة الحسكة، حيث تم في غضون 24 ساعة فحسب، وتم تسجيل قيود من كان متواجداً في منزله فقط، أما من كان خارج منزله أُسقطت عنه الجنسية السورية، ونتيجة لذلك تم حرمان نحو 120 ألف نسمة من الجنسية".
في صبيحة اليوم التالي لتوزيع الملصقات، استنفرت الأجهزة الأمنية، بالتزامن مع حملة مداهمات واعتقالات واسعة، ما أعطى ذلك النشاط زخماً مضاعفاً وفضولاً لدى الناس حول سبب الاستنفار الأمني وماهية ما حدث.
يقول زردشت، "أعطت تلك التحركات الشعبية وحملة الاعتقالات دفعاً لمتابعة الحوارات واللقاءات حتى تم إعلان المؤتمر الموحد عام 1993، والذي نتج عنه نشوء حزب الوحدة الديمقراطي الكردي".
استمرت النشاطات والحراك الحزبي وبناء التحالفات فترة التسعينات وما تلاها، في سبيل شرح القضية الكردية السورية. يقول زردشت، "التقينا بفعاليات وشخصيات كثيرة من فنانين الى نشطاء حزبيين الى رجال دين وغيرهم، كما شاركنا بلقاءات ربيع دمشق التي انتهت بما سمي إعلان دمشق، كان هدفنا طرح القضية الكردية في إطار وطني سوري، يهم الكردي وغير الكردي".
في عام 2003، تم اعتقال زردشت مع 13 ناشطاً سياسياً خلال مداهمة أمنية لإحدى الندوات، تم توقيف المشاركين لمدة يوم واحد، ثم استمرت إجراءات محاكمتهم وهم طلقاء.
يقول زردشت، "تقدم 250 محامياً من مختلف المحافظات للدفاع عنا، وكانت بعض الشخصيات الفاعلة أمثال ميشيل كيلو وعارف دليلة يحضرون جلسات المحاكمة، فضلاً عن حضور نشطاء شباب من جامعة حلب دعماً لنا، خلقت تلك الظاهرة تفاعلاً وتعاطفاً كبيراً معنا، حيث كنا نلتقي بالشخصيات والفعاليات ونتبادل الحوارات بعد كل جلسة من المحاكمات".
استمرت المحاكمات حتى عام 2004، وصدرت أحكام ما بين ستة أشهر وسنة، تلاها عفو رئاسي ألغيت بموجبه تلك الأحكام، شكلت تلك التحركات والفعاليات تراكماً خلق أرضية خصبة لانطلاق الثورة السورية عام 2011 برأي زردشت، "لطالما حاول النظام السوري تفريق أي نشاط معارض يجمع الأكراد بغيرهم من القوى السورية المتنوعة، لكننا استطعنا أن نخرج قضيتنا الكردية من إطارها الكردي الضيق الى الإطار الوطني العام الذي يعني جميع مكونات الشعب السوري".