تعرفنا لبانة الجندي (62 سنة) من سوريا، عن هويتها بشكل عام قائلة:
ولدتُ في أسرة تعتبر نفسها ذات جذر تاريخي، أسرة عريقة، وهذه العراقة جعلت العائلة تحظى بشيء من التميّز في المحيط الاجتماعي، في مدينة سلمية. وفيما بعد، علمت أن لعائلتي جذوراً في أكثر من مكان في سورية، أنتمي إلى عائلة وجدت نفسها في المذهب السُنّيّ، والبعض أو الغالبية مذهبها من الاسماعيليّ، لكني في بيتي، في أسرتي أعرف أن أبي كان لا دينياً، وقد تزوج عدّة زيجات ومن عدة طوائف.
وعن ظروف الانتقال المذهبي لعائلة لبانة، تسرد وقائعاً "تاريخية" بحثت عنها بنفسها حول ذلك، إذ تقول:
نسب العائلة يعود إلى أيام صلاح الدين الأيوبي، عندما تم تقويض الدولة الفاطمية، آنذاك كان آل الجندي، جنوداً لدى الخليفة العباسيّ، وينتسبون إلى محمد آغا الجندي، سليل الخلفاء العباسيين، وهم من أشراف حمص والمعرّة وأعيان البلاد الشامية وكانوا في بلدان خارج سوريا مثل الأردن، ومصر. ولعب التنوّع الجغرافي في سوريا، دوراً في التأثير على انتماءاتهم المذهبية، مثلاً في حمص انتموا إلى المذهب السُنّيّ، وفي سلمية انتموا المذهب الإسماعيليّ الذي اعتنقه أغلبهم، في سوريا.
وتؤكد لبانة، أن التوزع المذهبيّ حصل ضمن العائلة في القرنين الثاني والثالث عشر، بحسب المهن والتموضع الجغرافي كان الانتماء المذهبي، وهذا دليل "على أن الانتماء رهينة الوسط الذي يعيش فيه الإنسان" على حد تعبيره.
وعن أثر الفرق بين الهويات الثلاث على لبانة في فترة الطفولة، تقول:
كان لهذا التنوع أثراً كبيراً، لقد وجدت في أسرة تقطن قرية محاطة بسكان من الطائفة العلوية، وفيها منطقة قلعة الخوابي التي تقطنها الطائفة السُنّيّة وفي ذات القرية هناك عائلة مسيحية من بيت صليبي، لهم كنيسة. نشأتُ في بيت جدي حيث لا يوجد أي رموز دينيّة، وهكذا تعودت أن أكون حرة في تفكيري.
أمّا عن أثر الهويات الثلاث على شخصية لبانة منذ المراهقة حتى اليوم، تقول:
كان تركيز عائلتي على مستوى عالي من الشهادات ومتابعة المعرفة من كافة المصادر واحترام الجميع حسب ثقافتهم دون النظر الى انتماءاتهم المذهبية المتعددة وعليه كانت علاقاتي وصداقاتي تبتعد عن الاهتمام المذهبي. تعلّمت في المدرسة المحمدية وهي الرمز التاريخي لعدم التمييز الطائفي، استقطبت الطلبة من كافة القرى القريبة المحيطة بنهر الخوابي من كافة المذاهب وبذلك جمعت تعدداً مذهبياً.
وعن أثر الفرق بين الهويات الثلاث على علاقة لبانة مع عائلتها والأقرباء، تقول:
الأثر الكبير هو أنني حرصت وكنت مصرة على انتمائي الأوسع، وهو إلى وطني بغض النظر عن أي انتماء مذهبي أو عائلي، مع احترام تاريخيتي المذهبية والعائلية. لذلك أنا تربيّت في بيت علماني، يزيل كافة الفوارق بين الطوائف والمذاهب الأخرى، ويسعى لأن يكون مترفعاً عن بعض الطقوس التي يمارسها مثل الأعياد وغيرها، نلتزم بالأعياد العامة كاحترام مجتمعي لا أكثر ولا أقل. طالما عشت في القرية وجدت أن هناك عائلة مسيحية ونحن اسماعيليون كنا أصدقاء ورفاق طفولة مع بعض فربيت على أنه لا يوجد اختلاف.
وبحسب ما تروي لبانة، فإن الكثير من العائلات في سلمية، لازالوا يمارسون طقوس المذهب السابق، السُنّيّ و "لا زالوا يذهبون إلى المسجد" ويدفن بعضهم على الطريقة السنّية، تقول:
هناك نماذج كثيرة كانت تمارس الطقوس السُنّيّة، لكن بشكل خاص، لا تفرض نفسها على الآخر، وكثيراً من النساء كن يضعن الإيشارب الخفيف، لكن قلة منهم كانوا يمارسون هذه الطقوس. أما في المدن الأخرى مثل معرة النعمان، وحمص، ودمشق، وحلب، بقيت سلالة العائلة السُنّيّة على المذهب السُنّيّ.
وأخيراً، تختم لبانة الجندي حديثها بالتوقف عند أثر الفرق بين هوياتها الثلاث، والعلاقة مع المجتمع المحيط، قائلة:
إن كل ما سبق، ساهم بتشكيل هذه الشخصية وتكوين هذه الرؤية المنفتحة وغير المنغلقة، حتى في الحصول على المعرفة خرجت من العباءة الدينية والعباءة العائلية وتركتها للتاريخ، أنا أحترم الاختلاف وأحترم الطقوس.