تسنيم عبد الرزاق

احد مقابلات حزمة: قصص عن الانتماء,
Original Interview Length:
سجلت هذه المقابلة في: السويد
فريق الانتاج:
المواد المتوفرة لهذه المقابلة:

أنا تسنيم من مواليد سوريا، فلسطينية الأصل، عمري اثنان وعشرون موقفاً، اثنان وعشرون صدفة، اثنان وعشرون خبرة، وربما أكثر بكثير في أشياء أخرى.

لجأت إلى السويد عام 2015، وقبل أن أصل إلى هنا كنت أعارك في اسطنبول لمدة عامين، بالنسبة لي رغم صعوبتهما في حينها، إلا أنهما يعنيان لي الكثير، تعلمت كثيراً فيهما، وغيروا من تسنيم بشكل إيجابي ولكن بصعوبة.

أول خطوة اتخذتها قبل سفري إلى السويد، هي أنني دخلت إلى معهد لغة إنكليزية، لأني فعلياً "الكف الذي أكلته" في تركيا بسبب اللغة علمني أنه يجب أن أخطو خطوة إلى الأمام ولو كانت قبل الأوان بكثير. ورغم رفضي للسفر إلى السويد، إلا أنني كنت أستعد من كل النواحي. طبعاً لا يخلو الأمر من بعض الاكتئاب نتيجة لاختلاف الجو العام واختلاف الكثير من القصص، ولكني رغم ذلك، كنت متحمسة. وقررت أن أنتهي بسرعة من أجل السفر، وقلت لنفسي لا تبقي جالسة، انفعي ذاتك وانفعي غيرك.

كانت الخطوة الثانية لي هي أن أتعلم اللغة، بدأت وبـ "غلاظة" بمعنى أوضح، فكنت إذا رأيت بحصة على الأرض أنادي معلمتي وأسألها ما معنى ذلك بالسويدي؟ حتى أنها وصلت إلى مرحلة، كانت إذا رأت شيئاً تنادي لي من تلقاء نفسها وتقول لي: تسنيم هذه معناها هكذا، فصرت أشعر أني سعيدة.

كلما ذهب إلى طبيب الأسنان، أو السوبر ماركت أو أي مكان، كان فضولي يسبقني، وبشكل دائم في يدي دفتر وقلم، وهذا الشيء بالنسبة لي أفادني بنسبة 70 بالمئة. مر شهر ونصف على دخولي إلى مدرسة اللغة، وبسبب نهمي القوي في حينها قررت أن أحكي عن كاتب أحبه كثيراً، لكن كنت أقرأه بالعربية طبعاً، أحببت أحكي عن قصة حياته لكن باللغة السويدية، أفاجئ معلمتي والطلاب وأفاجئ نفسي في وقتها، فعلياً عملت الموضوع واستغرق مني 6 ساعات، وكنت أخاف من أخطائي، وعدة مرات كدت أتوقف ولا أريد ألا أكمل، ولكن بعد ذلك قلت: مهما يكن! يكفي أني اتخذت هذه الخطوة دون طلب من أحد، وفعلاً اشتغلت بنهم وتدربت بشكل جيد على لفظ الكلمات، وفي اليوم التالي فاجأت معلمتي وقدمت القراءة ودمي من أعماقه يغلي ارتباكاً. فكان رد معلمتي: أول مرة وأول طالبة تقدم قراءة خلال شهر ونصف، شعرت بالفخر في حينها وبكيت، مع أني الآن عندما أسمع ما قلته أضحك على نفسي، لأنها كلمات بسيطة جداً، لكنها بالنسبة لي كانت عظيمة.

بعد هذا الحماس مرت عليّ فترة اكتأبت فيها من كل شيء: من أحوال الكرة الأرضية من وأصدقاء المكان، من الجميع.. كنت "فش خلقي" بالقراءة، أذهب إلى المكتب وأجلس من 5 إلى 6 ساعات وأنا أقرأ كتباً باللغة العربية، لم أكن أشعر بالوقت ولا بأي شيء حولي. ماما صارت تأخذ من يدي الكتب، خوفاً أن يصيبني مكروه. إلى أن جاء يوم وفكرت بالذهاب إلى أخصائي نفسي.

فعلياً مر في حياتي الكثير من الناس الجيدين، ومع كل واحد منهم كنت أقول: في حياتي لم أر إنسان يحب الخير إلى هذه الدرجة، ولكن صدقاً كان يوجد شخص مختلف تماماً، عملياً لم يفعل لي شيئاً ملموساً، لكن الشيء المعنوي الذي فعله لي كان مهماً جداً، والكلمة التي كان طيلة الوقت يرددها: "آمني بنفسك، ولا تتوهمي أنك تعيشين في ظلام، ولا تدخلي إليه أبداً". ومن بعد ذلك قلت: هذه البلد لي، لماذا ليس لي؟ من قال أني أتعب دون جدوى؟ أنا أتعب من أجلي ولأجل هذه البلد، ربما تأخذ مني أكثر مما تعطيني لكنها بالنهاية تعطيني مقابل تعبي: أمان. كرامة. حبّ. لطف. وفعلياً تقوم بمساعدتي مادياً، في حين أنه في مكان آخر تعطي ولا تحصل على أي شيء ولا حتى كلمة شكراً لا تسمعها. هذه البلد لا تزال تعلمني لغتي الأمّ كي لا أنساها، فهل أكافئها بالسلبية؟ بالتأكيد: لا!

ومن حبي لهذه البلد واندماجي بكل جوارحي فيها، صرت لا إرادياً أدافع عنها، أفتخر فيها، ويزعجني أن يتكلم أحد عنها بسوء، لا أدري لماذا؟ لكني فعلياً وصلت إلى هذه المرحلة.

وهذه كانت قصتي أنا تسنيم.